مهما حاول المتفائلون ترسيخ فكرة أن سلطة الإطار التنسيقي في العراق، في الطريق لبناء علاقات خارجية قوية مع المحيط الدولي، لاسيما مع الجانب الأميركي إلا أن الحقيقة تقول عكس ذلك، والجانب الأميركي في أبعد حالات التقارب عن العراق!
فللمرة الثانية أو الثالثة على التوالي، يزور وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن المنطقة العربية وإسرائيل من أجل التوصل الى حلّ يفضي إلى تسوية النزاع العسكري في غزة، ولا يعرّج على العراق رغم أن بغداد على خطوط المواجهة مع إسرائيل عبر فصائله المسلحة التي تضرب القواعد العسكرية الأميركية وما تدعيه من ضرب إيلات بالمسيرات، ويسعى عبر الحكومة إلى حل سياسي لهذه الأزمة عبر قنواته الدبلوماسية والسياسية.
وكانت آخر زيارات بلينكن قبل أسابيع عندما التقى رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني وأبلغه بأن الولايات المتحدة الأميركية ستدافع عن قواتها في العراق بطريقتها الخاصة، قبل أن يقوم بعقد مؤتمر صحافي داخل السفارة الأميركية وليس في مقر وزارة الخارجية العراقية كما هو السياق الدبلوماسي، بعدها غادر بغداد وهو يرتدي السترة الواقية ضد الرصاص في إشارة غير إيجابية عن الوضع الأمني في هذا البلد تجاه الوجود الأميركي!
إضافةً إلى ذلك، تطفو على السطح قضية عدم وجود أفق لزيارة السوداني إلى البيت الأبيض رغم كثرة التصريحات بهذا الخصوص من مستشاريه ومقربيه بأن الزيارة قريبة، وكلما ابتعد موعدها اضمحلت فرصة حدوثها نتيجة انشغال الرئيس الأميركي جو بايدن بموعد الانتخابات الرئاسية التي ينافس فيها عدوه اللدود دونالد ترامب، الذي بدوره سيكون (ثاني أو ثالث قرار له بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، التوقيع على الانسحاب الأميركي الكامل من العراق)!
حتمية الانسحاب الأميركي..
أيّاً يكن ساكن البيت الأبيض القادم، ففي الحالتين سيكون الانسحاب الأميركي من العراق هو القرار المتخذ بعد أشهر قليلة جداً من بداية العام 2025 ، هذا إن لم يستجد في الأمر شيء ربما يعجل من الانسحاب الأميركي المؤكد !
ويبقى السؤال الأهم عن تداعيات هذا الانسحاب الذي يظن البعض أنه لن يحدث.
هل سيكون هذا الانسحاب برضا أميركي كامل، لتكون علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع العراق كمثيلتها مع ألمانيا واليابان وبلدان أخرى كانت تحتلها أميركا بعد الحرب العالمية الثانية؟
أم أن هذا الانسحاب يعني طلاق أميركياً - عراقياً يؤدي الى تداعيات اقتصادية وسياسية خطيرة على العراق الذي تُرتهن أموال نفطه عند الفدرالي الأميركي الذي يضمن سلامتها من الدائنين القدامى، كما لما يؤدي ذلك من منع وصول الدولار إلى العراق بدعوى احتمالية وصوله المؤكدة إلى إيران التي هي بدورها تحت العقوبات الأميركية؟!
"يمننة العراق" هدف ايراني مؤكد!
إخراج القوات الأميركية من غرب آسيا هو هدف إيراني مُعلن من جانبها بوضوح بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني في العراق عام 2020، ويرى المراقبون أن العراق سيُعاد به سيناريو (الحوثي) في اليمن الذي يشكل حاجز الدفاع الأول عن إيران، والذي يتعرض اليوم لضربات قوية من التحالف الدولي الذي شُكل لكبح جماح الهجمات التي تستهدف السفن التي تمر بمضيق باب المندب الذي يسيطر عليه الحوثيون.
هذه الضربات الأميركية والحصار الذي سيكون لقطع الطريق على التسليح الإيراني للحوثي، ربما سيؤدي إلى ضعف واضمحلال هذا الحاجز الدفاعي الذي صنعته إيران للدفاع عن وجودها الاستراتيجي في المنطقة!
العراق، سيكون هو الساتر والحاجز الاقوى وربما الوحيد للدفاع عن إيران، وهذا ما تعمل عليه طهران حتى مع الوجود العسكري الأميركي وسيكون هذا المخطط واضح المعالم بشكل قوي ونظامي بعد الانسحاب الأميركي.
ولهذا ستدافع إيران عن وجود أدواتها المسلحة والسياسية في العراق من أجل هذا الهدف، خصوصاً وأن الاتفاق النووي أصبحت عودته الى الوجود من شبه المستحيلات، والمواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية هي الأقرب للحدوث وإن كانت على شكل ضربات جوية لا تعني بالضرورة تهديد وجود النظام في إيران بقدر تحجيم قوته ودعمه لأدواته في المنطقة، وبقاء هذه الأدوات هو مهم لإيران في قصة وجودها في المنطقة.
هذا ما تفكر وتعمل عليه إيران ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق، لكن الاهم بماذا يفكر صانع القرار العراقي وعلى ماذا يعمل؟!