إلى متى ستدفع الشعوب العربيّة فاتورة الدمّ المهدور المستمرّ منذ عقود، والأرض والأحلام التي تُسرق في كلّ شهر يوم، بسبب الصراع والحرب مابين "الإسرائيلي والإيراني"؟!
بماذا يتشابه "الأعداء" في طهران وتل أبيب؟ لماذا وأين يختلفون؟ هل بلدان وشعوب العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وغيرهم سيظلّوا رهينة ذلك العداء "الغير مباشر" إما عبر الحروب المباشرة أو الاهلية؟ لأجل ماذا؟
التَشابُه..معنا أو ضدّنا!
رغمَ الاختلاف والعَداء"الظاهر" سواءً الفكريّ أو الدينيّ أو السياسيّ، في باطن الأمور ترزَح معظم الشعوب العربيّة تحت إحتمالين أحلاهما مرّ في الحرب الإيرانية –الإسرائيليّة "الغير مباشرة" على أراضي عربيّة وبدماء شعوبها، فإما الموت بمطرقة إسرائيل أو سندان إيران!
حيثُ يدور الفلَك الإيراني-الإسرائيلي ضمن الشعار الشهير للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الإبن: " إمّا أن تكونوا معنا أو أنتم مع الإرهابيين"، والذي قالهُ بعدَ اعتداءات 11 أيلول عام 2001 ضد بلاده، حينَ ألقى خطابه التاريخيّ في الكونغرس لحشد تأييد الشعب الأميركي حوله للإنتقام من زعيم القاعدة أسامة بن لادن وما يمثله الإسلام السياسي من ورائه.
التشابه بين الإثنين يبدأ من فكرة قيام الدولة لكل منهما، حيث يشترك الإثنان بالإعتماد على الدّين كركيزة أساسيّة لحكم شعوبهم، فليس غريباً على إسرائيل التّي تحتّل أراضي فلسطينيّة بحجّة دينيّة "لأنها أرض الميعاد" وبعض الأراضي العربيّة، أن تستخدم منطق بوش في سياستها تجاه الشعب الفلسطينيّ أو الشعوب العربيّة التي تعتبرها تهديداً لأمنها القوميّ، فإن طالب الشعب الفلسطيني بحقّه للعيش ومعه الشعوب العربيّة المجاورة لإسرائيل، يُعتبر "إرهابيّ" وإن أشرتَ إلى جرائم الأخيرة بحقّ المدنيين فأنتَ "مُعادي للساميّة" بالنسبة للمجتمع الدولي عموماً والغربي على وجه الخصوص.
كذلك إيران وفقَ منطق "الخامينائيّة السياسيّة" تتفق مع عدوتها أميركا التي تسميها "الشيطان الأكبر" بمنطق إلغاء كلّ من يخالف أي من أهدافها المرسومة من ممثّل الإله على الأرض بالنسبة لهم "ولاية الفقيه"، فطهران التي أيضاً تحتّل أقلّها أربع عواصم عربيّة، بحروب ذات طابع"ديني –سياسي" تحت بند "مكافحة الإرهاب" أيضاً أودت بحياة ملايين المدنيين العرب، ابتداءً بالعراق مروراً بسوريا ولبنان وصولاً إلى اليمن، وإن خرج أي اعتراض من أي طرف عربيّ على فهو حتماً "إرهابيّ"! حيث تستخدم "الجمهوريّة الإسلاميّة" نفس الأسلوب مع شعوب المنطقة بحجّة "مظلومية آل البيت " وحتميّة خروج المهدي ونشر العدل وما إلى ذلك من نظرية دينيّة تتشابه في "انتقائيتها" من المنطق الإسرائيلي الصهيونيّ الذي ما زالَ يعتمد على "مظلومية محرقة الهولوكوست النازيّة".
والنتيحة منذ عقود إلى الآن، تجري حروب "بالوكالة" بين إيران وإسرائيل دون أن تطلق أي منهما طلقة واحدة "رسمياً" على الأخرى! والغريب أنّ الأخيرة قدمت السلاح لِطهران في حربها مع العراق أيام الرئيس العراقيّ الراحل صدّام حسين" وفق عدّة مصادر إعلاميّة"، والضحيّة المشتركة بين الإثنين هي الأرض العربيّة وشعوب المنطقة التي تدفع ثمن ذلك "الصراع" المستمرّ على حساب دماء الشعوب العربيّة.
إختلاف في الأسلوب والأهداف
رغم تشابهم بعدّة نُقاط، إلا أنّ إيران وإسرائيل يختلفان من حيث الأسلوب والطريقة في "إدارة المعركة" بينهما، حيثُ تعتمد إسرائيل في حربها ضدّ الفلسطينيين ومايهدد أمنها القومي من"دول الجوار" على التقدّم التكنولوجيّ في المجالات العسكريّة والعلميّة والسيبرانيّة غيرها، إضافةً إلى إستخدامها الإعلام ووسائل التواصل لتسوق أفكارها برعاية ومساعدة الغرب خصوصاً من حيث قوّة التسليح وتطورّه.
بالمقابل أسلوب إيران يعتمد على التسليح لميليشيات عربيّة تابعة لها وتعتبر كأدوات لنفوذها، وذلك عبرَ احتلالها لمقدّرات دول عربيّة عريقة كالعراق وسوريا لتمويل تلك الميليشيات الخارجة عن القانون، كذلك تسويق أفكارها الدينيّة والسياسيّة عبرَ السيطرة "الإجباريّة"على الإعلام ومفاصل الدول التي تبسط سيطرتها عليها عبر الفوضى مثل لبنان واليمن، إضافةً إلى نشر المخدرات وإفساد عقول الأجيال العربيّة القادمة لكن لهدف كبير وفق ما يقولون وهو "تحرير القدس"!
من هنا تختلف أهداف إسرائيل الصهونيّة بالمنطقة العربيّة، حيث ما زال حُلم الدولة اليهوديّة الكبيرة "من الفرات إلى النيل" يراود زعمائها، في حين مازالت أحلام الخامنائيون الإيرانيّون هي كبداية " زوال إسرائيل" ومن ثمّ الهدف الأسمى لهم "القضاء على الشيطان الأكبر أميركا"!
أهداف الطرفين المتحاربين مختلفة من حيث الشكل لكنهم متفقين من حيث المضمون خصوصاً بنقطة "التوسّع" باستخدام الدّين والإيديولوجيا، لكن إن كانت إيران تريد تحرير القدس وإعطاء الفلسطينيين أرضهم المُغتصبة من إسرائيل، لماذا لا تجابه مباشرةً عدوتها الصهيونيّة؟ أم أن طريق القدس يمرّ عبر بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ومؤخراً يتجه نحو الخرطوم وربما عواصم أخرى دون أن تُطلق ولو حجرة واحدة على الداخل الإسرائيلي! وفوق ذلك يجب على شعوب الدول التي تحتلها عنوةً كما تحتل إسرائيل فلسطين، أن ترضخ لما تسمّيه "الحرب المقدسة" باستخدام أسلحة عاف عنها الزمن، وقوى عسكريّة أقرب للمافيا التي تهدد يومياً سلام المواطنين العرب في تلك الدول، كذلك عبر إنهاء جيوشها ومؤسساتها وتدمير بُنية المجتمع عن طريق المخدرات وفرض منطق "الفوضى أو إيران ".
حروب مباشرة أم أهليّة؟
مع دخول الشرق الأوسط باحتمال الحرب الشاملة منذ عملية "طوفان الأقصى" بشهر أكتوبر الماضي، يزداد مؤشّر اقتراب المواجهة العسكريّة بين إيران وميليشياتها وحلفائها من جهة، وإسرائيل وحلفائها من جهة ثانية، خصوصاً مع زيادة الإعتداءات الإسرائيلية على مصالح حيوية لإيران "دون تبّني ذلك رسمياً" خصوصاً في سوريا والعراق، حيث اغتالت العديد من قيادات الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس" الذي دخل معظم الدول العربية ولم يدخل شبراً واحدا إلى أراضي فلسطين على طريق القدس"، بالمقابل تستخدم إيران ورقة "الممانعة والمقاومة" لتشريع احتلالها "أخلاقياً" كما تدّعي.
أيضاً الفوارق هنا بين الإثنين أنّ إسرائيل تخوض حربها بشكل مباشر وتحدد أهدافها بالقضاء على حماس "حليفة إيران" وتأمين حدودها الإقليمية في سوريا ولبنان عبر ضرب ميلشيات تابعة لإيران في لبنان وسوريا والعراق. بينما ما زالت إيران تتملّص من مسؤولية مواجهة "العدو الصهيوني" عبر تغذية الحروب الأهلية والطائفيّة في الدول العربيّة.
فمنذ عام 2003 احتلّ الأميركيّ العراق ودخل بشراكة "غير مباشرة" مع الإيراني لتغذية الحرب الأهلية بين الإسلام " السنّة والشيعة"، وأصبحت بغداد عاصمة محتلّة من إيران بمباركة غربيّة أميركيّة على عكس التصريحات السياسيّة والإعلاميّة، والنتيجة..العراق "أبو الحضارة" أصبح بلداً ضعيفاً محكوماً بمليشيات طائفيّة لا تعبّر عن طبيعة الشعب العربي العراقي العريق.
كذلك في سوريا "مهد الحضارات" وبعد نجاح إيران الخامنائيّة بتنفيذ أوامر الغرب لدمار العراق، أطلق المجتمع الدولي يدّ إيران لإشعال حرب أهلية أيضاً في سوريا منذ عام 2011، حيث أصبحت الأخيرة بعد أكثر من عقد دولة فاشلة محتّلة من روسيا وأميركا وتركيا وخصوصا إيران التي عمدت إلى "التهجير القسري" للملايين من الشعب السوري وهدم منازلهم واحتلال أرضهم بمساعدة حليفهم النظام وميليشياته في لبنان والعراق.
وأيضاً لبنان الذي كان "سويسرا الشرق" وبوصلة الحريّة لكل العرب، أصبحَ ورقة حرب وتفاوض بيد إيران وعصاباتها اللبنانية التابعة لها و التي تتفاخر عبر "وليها الفقيه" بأنّها أصبحت جزءاً من "الجمهورية الإسلامية" مع أن لبنان كما هو معروف ذو أغلبية مسيحيّة ويميّزه تنوّعه الطائفي والفكريّ!
بيروت التي كانت ملجأً للمفكّرين والكتّاب والمبدعين العرب، وملاذاً لحرّيتهم ومنارةً للفنّ والإعلام، أصبحت كما دمشق والعراق تحت سلطة "إيران الخمنائيّة" التي تنشر الفوضى و تقمع الحريّات وتغزو العقول بالأفكار الإجبارية بهدف"تحرير القدس" ومن يخالف ذلك مصيرة القتل او الإعتقال والتهمة جاهزة "خاين-صهيوني –عميل..إلخ"!
إذاً عراق ضعيف، سوريا شبه مقسّمة، لبنان مُحتلّ، ويمن جنوبي وشمالي و ليس "سعيد" بالفوض..كل ذلك يدلّ إلى أنّ إسرائيل من دون أن تُطلق أي رصاصة واحدة حققت أهدافها بالقضاء على "أعدائها العرب" خصوصاً دول الجوار لكن عبر إيران "عدوتها"؟!
وللمفارقة فإن الأسلوب الإيراني ومن لفّ لفيفه من قوة "المقاومة" تستخدم العنف والإلغاء ضدّ كل من ينشد العيش بسلام وآمان من شعوب الشرق الأوسط التي تحتلها طهران، وذلك ضمن نفس التفكير "الصهيوني الإسرائيلي" وفقَ شعار بوش الإبن من بلاد "الشيطان سام الأكبر"!
وما بين "جحيم إيران وجهنم إسرائيل"، ما زالت شعوب الشرق الأوسط العربيّة تنتظر فرصة العيش ولو لسنوات قليلة بعيداً عن "الحروب التي لاتنتهي" كما وصفها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.