في أواخر عام 2017، أعلن العراق دحر تنظيم داعش، عسكرياً، بعد معارك استمرت نحو 3 سنوات، وإنهاء ملف ما سماه "دولة الخلافة" التي أعلنها زعيمه السابق أبو بكر البغدادي، الذي قتل في أكتوبر/تشرين الأول 2019، في أول ظهور له بجامع النوري في الموصل.
وعلى الرغم من التقدّم المطرد الذي أحرزته الدول الأعضاء في الأمم المتحدة للحد من القدرات العملياتية للتنظيم، لا يزال داعش يحتفظ ببعض الخلايا في مناطق نائية وبعيدة في شمال العراق، تشنّ بين الحين والآخر هجمات على الجيش والقوات الأمنية، وجديدها هذه المرة مقتل عشرة عناصر من التنظيم، خلال عملية عسكرية أطلقها الجيش العراقي ضد خلايا داعش في المناطق الصحراوية في وسط وشمالي البلاد، ردعاً لهجمات يعتقد أن التنظيم كان يخطط لشنّها خلال شهر رمضان.. فهل استمرارية خطر داعش ما زالت تهدّد أمن العراق؟
عملية "وعد الحق"
وفي التفاصيل، ذكر بيان لخلية الإعلام الأمني أن "عدد الإرهابيين الهالكين على يد قواتنا الأمنية البطلة خلال 24 ساعة الماضية 10 إرهابيين"، في العملية التي أطلق عليها "وعد الحق" وتضمّ قوات من الجيش العراقي والحشد الشعبي، وتشمل محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين والأنبار.
وقال البيان: "استمرارا للعمليات التعرضية خلال عملية "وعد الحق الثالثة" وأثناء تعقّب الإرهابيين في صحراء وادي الثرثار من قبل فوج حشد الغربية وفوج حشد القائم، تم ملاحقة عجلة نوع بيك اب بداخلها أربعة إرهابيين أحدهم يرتدي حزاماً ناسفاً، وتمكنت القوة المنفذة للواجب من قتلهم جميعاً".
وأشار بيان آخر الأحد، إلى أن الجيش نفّذ "ضربات جوية دقيقة آخرها بعد منتصف ليلة أمس وقتل مفرزتين إرهابيين".
نحو 5000 مقاتل
ذكر تقرير للأمم المتحدة، نُشر في يناير/ كانون الثاني الماضي، أنه في العراق وسوريا "استمرت نواة داعش في العمل في شكل تمرد قليل الحدة، مع خلايا إرهابية تتمركز في المناطق النائية والريفية"، وبحسب التقرير، يقدّر "قوام أفراد داعش في العراق وسوريا معاً، بما يراوح بين 3000 و5000 مقاتل".
وعن هذا الشأن، رأى المحلل الأمني والسياسي، مخلد حازم، لـ "جسور" أن "ربط الأحداث السابقة بالأحداث الحالية يؤكد لنا أن داعش اليوم عبارة عن عصابات تعمل بصورة منفردة وتتخذ من بعض الأماكن غير الممسوكة أمنياً ملاذات آمنة لها".
ويضيف، أن "داعش ليس بصورته الفعالة خصوصاً بعد انتهاء العمليات العسكرية، رغم تسرب الكثير من عناصره واستبدلوا جلدهم العسكري بالمدني وتموضعوا في أماكن جغرافية صعبة".
ويتابع، أن "عمليات ضبط الحدود مع سوريا ساعدت على عدم تسلل تنظيم داعش إلى العراق"، لافتاً إلى أن "المعلومات التي حصلت عليها القوات الأمنية من أفراد داعش المقبوض عليهم اسهمت بكشف الكثير من الخلايا النائمة".
ويؤكد مخلد، أن "داعش لم يعد يشكل خطراً أمنياً في العراق، ولم ينته تماماً فما زالت آثاره متبقية وخيوطه تتحرك، لينتهز الأوقات المناسبة لشن هجماته"، مبيناً أن "الخلافات السياسية تسهم بشكل كبير بتفعيل نشاط داعش الإرهابي".
من جهته، أوضح مدير مركز التفكير السياسي في بغداد، الدكتور إحسان الشمري، في تصريح لـ "جسور" أنه "ثمة بالطبع ظروف وعوامل مركّبة ومتضافرة مكّنت تنظيم داعش من العودة، وتصعيد عملياته الإرهابية في العراق مجددا، أبرزها استغلاله الخلافات والأزمات السياسية في البلاد، مضيفا: "هناك أيضا الخلافات والملفات العالقة بين بغداد وأربيل وضعف التنسيق بينهما، ما سمح للدواعش باستغلال ذلك وخصوصا في المحافظات التي تشكل بعض مناطقها خطوط تماس بين القوات العراقية والبيشمركة، مثل كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى".
ومن الأسباب الأخرى التي ذكرها الشمري، ضعف الجهد الاستخباراتي والأمني الاستباقي في تلك المحافظات، مما سمح لخلايا داعش النائمة بالتمدّد والتوسّع، فضلا عن إعادة تقييم التعاون مع التحالف الدولي ضد الإرهاب من قبل بغداد، والذي أعطى جرعة تنشيطية لداعش.
خطر العودة
وعلى الرغم من التناقص الكبير لزعماء داعش وتقلّص أنشطته في مناطق النزاع الأساسية وأبرزها العراق، لا يزال خطر عودة ظهوره قائماً، كما تقول الأمم المتحدة.
وتشير الأمم المتحدة إلى أن داعش ينقسم في البلد إلى 8 وحدات هي: الإدارة والإعلام والشريعة والمشتريات والمالية والأعمال الأساسية وتصنيع المتفجرات وإطلاق سراح السجناء، موزعة على 10 تقسيمات إقليمية عراقية.
وتضيف أن الجماعة أصبحت تعزف بشكل متزايد عن المخاطرة خشية فقدان أفرادها، بينما تخطط للإفراج عن سجنائها وتجنيد أفراد من المجتمعات الضعيفة.
ويشير أمنيون إلى أن "داعش لا يزال فعالا ونشطا في العراق"، وأنه "يضعف لكن لم يمت ويتلاشى ويأفل".
ويتواجد داعش في الوقت الحالي على الأرض على شكل "مفارز ورعائل مكونة من أعداد محدودة وصغيرة وشرسة في ذات الوقت"، تشكل خطورة كبيرة في المناطق المنحصرة .بين كركوك وصلاح الدين شمالي البلاد