تشهد مناطق سيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا منذ أيام، مظاهراتٍ تدعو لرحيل هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة سابقاً" وإسقاط زعيمها أبو محمد الجولاني.
فما سبب ذلك الحراك أو الإنتفاضة بالوقت الحاليّ؟ هل التراكمات أدّت إلى الإنفجار الشعبيّ بوجه الجولاني؟ ماهي مطالب المتظاهرين؟ كيف حاولت هيئة تحرير الشام إحتواء الموقف وهل نجحت بذلك؟ كيف تعاملت تركيا مع هذا الحدث؟
الأسباب
تقول مصادر مطلعة من إدلب لـ"جسور" إن الأسباب تعود إلى تراكمات من القمع الذي تمارسه هيئة تحرير الشام على سكّان إدلب وريفها حيث تحكم تلك المناطق بأسلوب النظام نفسه، فَسُجنَ المئات من المظلومين بحجّة الخيانة و"التعامل مع جهات خارجيّة" مثل النظام وروسيا وإيران. وهي نفس التهمة التي يلفقّها الأمن السوري على معارضيه لكن بطريقة ثانية، والجولاني وهيئته تمارس نفس الطريقة من لا يعجبهم رأيه يُسجن! والمفارقة الغريبة أنّ أغلب المعتقلين بسجون الجولاني هم من ثوّار 2011 من مختلف المناطق، ذلك ما جعل السُخط الشعبي كبير عليهم قبلَ أن تنفجر الأمور بعد مقتل أحد المُعتقلين بسجونهم، ثم إكتشاف مقبرة لعدّة معتقلين ماتوا تحتَ التعذيب.
وكانت الهيئة قد اعتقلت قبل عشرة أشهر عبد القادر الحكيم "المعروف باسم أبو عبيدة تل حديا" الذي كان أحد عناصر فصيل جيش الأحرار ، و علم أقرباؤه بمقتله قبل خمسة أشهر وتأكدوا من ذلك في 24 شباط الماضي، حيث تبين بعد مطالبتهم بكشف مصيره بأنه قد قتل تحت التعذيب ودُفن سراً.
وبحسب مصادر إعلاميّة تظاهر المئات في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام بإدلب ومحيطها، إثرَ اعتراف الهيئة بمقتل أبو عبيدة تل حديا، وتضيف المصادر: (التظاهرات ما زالت مستمرّة في معظم البلدات والقرى في شمال سوريا، مثل تفتناز وسرمدا وبنّش والفوعة وحزانو والأتارب ودارة عزة وطعوم وغيرها..واتساع رقعة الإحتجاجات وكثافتها تُشير إلى بدء انتفاضة شعبيّة وثورة على قيادات المعارضة الّتي تُمارس الإضطهاد والإستبداد على الشعب الذي هرب من ذلك بمناطق النظام، كذلك الإنفراد بالقرار السياسي والعسكري والأمني لهيئة تحرير الشام دونَ وجود ديمقراطيّة أو تشاركيّة..ومن الأسباب أيضاً الوضع المعيشيّ وارتفاع الضرائب والانتهاكات بحقّ السكّان والتي ينفذّها الأمن العام الذراع القويّ لـ"الهيئة"..
ومؤخراً انضمّت عدّة مناطق أُخرَى إلى الحراك خصوصاً في مناطق ريف حلب حيثُ يحكم الجيش الوطنيّ المحسوب على تركيا، ما يُنذر بأنّ تغييراً ما سيحدث بتلك المناطق تماشياً مع مناطق إدلب).
ويذكر أنّ هيئة تحرير الشام اعترفت بمقتل المُعتقل تحت التعذيب قبل نحو خمسة أشهر، كما أخبرت عائلته عن مكان دفنه، ليتم استلام جثمانه وإعادة دفنه في مقابر العائلة، لكن استمرّت المظاهرات مطالبةً برحيل الجولاني وانتخاب مجلس جديد لقيادة المناطق المحرّرة وانتخاب مجلس الشورى.
تحرير الشام تحاول الإستيعاب
سارعت قيادات هئية تحرير الشام إلى استيعاب الغضب الشعبيّ وامتصاصه، حيثُ أفرجت عن قسم من المعتقلين الّذين يبلغوا تقريبا الـ1000 شخص "وفق وسائل إعلاميّة" أغلبهم سُجن منذ عام بقضيّة العمالة للتحالف الدوليّ وروسيا ونظام الأسد.
محمد "30 عام، أحد المتظاهرين" يقول لـجسور" إنّ الهيئة تحاول كسب الوقت واستعياب الصدمة، حيثُ إخراج بعض المعتقلين وإجراء الحوار مع بعض الاعيان والوجهاء والإعلاميين المشاركين بالتظاهرات، كل تلك الأمور غالباً وعود كالحبر على الورق وذلك لكسب الوقت وإحتواء الأزمة والتهدئة إلى حين العودة لنفس الأسلوب، بينما المطلب الأساسي هو إسقاط الجولاني ورموز الفساد من القيادات العسكرية المرتبطة به، غير ذلك سيزداد الوضع سوءاً..وبحسب محمد المزاج الشعبيّ يتجّه إلى إسقاط سيطرة العسكريين على مناطق المعارضة وقيام حكومة وقيادات مدنيّة وعدم العودة للعيش بظلّ العسكر حتى لو كانوا تابعين لتركيا.
وكانت وسائل إعلام تحدّثت عن عقد قيادة "تحرير الشام" عدّة اجتماعات، ترأس منها قائد الهيئة الجولاني مع النخب المجتمعية ووجهاء البلدات و القرى وحكومة الإنقاذ وأعضاء مجلس الشورى ، وبحسب المصادر قدّم أولئك مطالب المتظاهرين، حيث تمّ إطلاق وعود من قيادة الهيئة لتحقيقها وأنّ العمل بدأ على تنفيذ معظمها.
ما علاقة تركيا؟
أشارت مصادر عدّة إلى أنّ تركيا لها يد فيما يحدث من أوضاع في الشمال السوري، حيثُ المطالبة الشعبيّة لتنحيّ الجولاني جاء بتحريض تركيّ لتمهيد سيطرتها على مناطق هيئة تحرير الشام، لذلك هناك عدد من قادة الفصائل التابعة للهيئة هي مقرّبة من أنقرة و وقفت مع مطالب المتظاهرين ما جعل الجولاني يشعر بقوّتها لاحقاً لقلب حكمه فبادر للحوار لكي يجد مخرجاً من ورطته، وذلك بحسب المصادر.
وتقول مصادر صحفيّة من ريف حلب لـ"جسور" إنّ تركيا فعلاً اعطت الضوء الأخضر لإخراج الجولاني من الشراكة غير المباشرة مع الجيش الوطني المحسوب على أنقرة، وذلك في حكم مناطق شمال غرب سوريا..ويأتي ذلك في جملة المتغيّرات الإقليميّة والدوليّة التي تحدث بالوقت الحالي، حيث أنّ المجتمع الدولي عموماً وأميركا وحلفاءها خصوصاً، يضغطون على أردوغان لكي ينهي وجود "جبهة النصرة سابقاً" على الأراضي السورية تماشياً مع القرارات الدولية التي وضعت تلك القوات على لائحة الإرهاب..
من جهة أُخرَى تؤكد المصادر أنّ تركيا أردوغان ما زالت تُحاور روسيا حول تثبيت الإتفاق بينهم وتعزيز فرص التقارب مع النظام السوري سعياً للتسوية الشاملة.
وفي السياق نفسه، كتبَ رجل الأعمال السوري فراس طلاس على صفحته بـ"فيسبوك" : (الفوضى في الشمال الغربي -مناطق الجولاني وميليشيات تركيا- متروكة هكذا بشكل مقصود من قبل تركيا، حتى يتعب الناس وتصبح المطالبة بالوجود التركي الدائم هي مطلب شعبي) مضيفاً أنّ المطلب سينتقل للشمال كلّه بالتدريج "تدريج الدول المستقرة الاقليمية قد يكون عشرين او ثلاثين سنة" وذلك بحسب قوله .
وكان زعيم هيئة تحرير الشام أبومحمد الجولاني قد عبّر علناً مع مطلع العام الحالي، عن قلقه من خطوات التقارب "التركي- السوري" برعاية موسكو، كما أشار إلى أنّ المفاوضات التي جرت منذ أشهر قليلة بين وزيري دفاع تركيا وسوريا في روسيا بحضور نظيرهما الروسي، تهدد أهداف الهيئة التي يتزعمها..كما أكّد الجولاني تحذيرهُ من حدوث "انقلاب"في الموقف التركي.