تنوي أنقرة، بحسب وزارة الدفاع التركية، تنفيذ إجراءات في الصيف المقبل، وإقامة منطقة عازلة في شمال العراق بعمق قد يمتد إلى 40 كلم. ويتوقع أن تنفذ تركيا عملية عسكرية هي الأكبر في السنوات الـ9 الأخيرة، لوضع "حل دائم" لمشكلة حزب العمال الكردستاني على الحدود مع العراق.
وفي تلك الأثناء يرجح أن يزور رئيس التركي طيب رجب اردوغان بغداد الشهر المقبل، بعد تعثر الزيارة السابقة التي كان يفترض إجراؤها العام الماضي.
وحتى الآن لم ترد الحكومة العراقية على تلك التصريحات او المجموعة الشيعية التي تطلق على نفسها "المقاومة العراقية الإسلامية"، فيما كانت بغداد قد اشتكت في مجلس الأمن ضد الضربات التركية.
وعلى مدى السنوات الماضية لم ينفك الجيش التركي عن قصف ومطاردة حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) المنتشر على الحدود العراقية وفي منطقة سنجار.
ووفقا لتقديرات منظمات غير حكومية، فإن الهجمات التركية أودت بحياة ما لا يقل عن 129 مدنيا في شمال العراق وإصابة 180 آخرين وذلك منذ 2015 حتى تموز 2022.
عملية عسكرية جديدة
وقال وزير الدفاع التركي، يشار غولر، في تصريحات لعدد من الصحافيين الأتراك: "تماشيا مع الإطار الذي رسمه رئيسنا (إردوغان)، سوف نكمل الدائرة التي ستؤمن حدودنا مع العراق هذا الصيف، ونزيل الإرهاب بحيث لا يصبح مشكلة تؤرق بلادنا".
وتنشر تركيا نحو 7 آلاف جندي وضابط يتغلغلون بعمق يصل إلى 100 كم داخل الأراضي العراقية ولديهم 11 قاعدة عسكرية و19 معسكرا في العراق.
وأكد غولر أن بلاده تنوي إنشاء حزام أمني داخل العراق، وقال متحدثاًعن حزب العمال: "إذا أبقيناهم على بعد من 30 إلى 40 كيلومترا على الأقل من حدودنا، فإن أمتنا وحدودنا ستكون آمنة".
وأضاف: "نضالنا مستمر وفق خطة مدروسة منذ ما يقرب من 6 سنوات، والآن تحتاج تركيا للانتقال إلى مرحلة أخرى".
وشنت تركيا أكثر 4 آلاف هجوم على العراق خلال ست سنوات، منذ شهر آب عام 2015 لغاية كانون الثاني من عام 2021. بحسب تقرير ل "تحالف المجتمع المدني الدولي" التابع للأمم المتحدة.
ولم تعلق بغداد حتى اللحظة على تلك التصريحات، لكن الحكومة العراقية كانت قدمت في شباط الماضي، شكوى إلى مجلس الأمن الدولي على تركيا وإيران وأمريكا لاستهدافهم المتكرر أمن وسيادة البلاد.
وفي جلسة البرلمان العراقي التي عقدت في 2022 الماضي حول "الاعتداءات التركية"، قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إن "العراق سجل منذ 2018 أكثر من 22 ألفا و700 انتهاك تركي للعراق، وأنه تقدم ب296 مذكرة احتجاج على تركيا".
ولا يلاقي التواجد التركي بالعراق ذات الحماسة التي تبديها أطراف في "الإطار" ومايسمى بـ"المقاومة العراقية الإسلامية" بالاعتراض على القوات الأميركية.
ويعادل عدد القوات التركية المتواجدة بشكل دائم في العراق (أكثر من 7 آلاف مقاتل) ضعفي عدد القوات الأميركية في العراق والبالغة 2500 فرد.
تاريخ الصراع مع حزب العمال
يقول غازي فيصل وهو مدير المركز العراقي للدراسات الستراتيجية في مقابلة مع "جسور" حول العلاقات العراقية-التركية أن "الحرب مستمرة في الواقع بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني منذ 1984 وكانت هناك إتفاقية بين العراق وتركيا لإعطاء تركيا الحق بالتحرك لعمق من 10 إلى 20 كم لملاحقة قوات أو مقاتلي بي كي كي في هذه المناطق".
العمليات استمرت بصور مختلفة ومرت بحقب معنية جرت فيها مفاوضات بين الحكومة التركية وحزب العمال لكنها توقفت في عام 2015.
ويضيف فيصل "حزب العمال يشبه إلى حد كبير مجاهدي خلق الإيرانية، وكان قد دعم في وقت من الأوقات من قبل النظام السوري في زمن حقبة الرئيس السوري حافظ الاسد، وكانت المنظمة أيضا تقوم بعمليات في الأراضي التركية إنطلاقا من الأراضي السورية".
اليوم حزب العمال يتلقى الدعم من قبل الجمهورية الإسلامية وعدد من المليشيات المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري في العراق خصوصًا في سنجار. بحسب مايقوله مدير المركز العراقي.
ويوضح أن "سنجار، شمال الموصل، تعتبر أهم نقطة في الطريق الاستراتيجي الذي يربط إيران بسوريا ولبنان ويتم من خلاله نقل الأسلحة والمعدات والمقاتلين".
ويشير فيصل إلى إن القواعد التي استطاعت تركيا أن تقيمها في العراق منذ 2014 لليوم، وهي قواعد عسكرية ثابته تمتد من 10 إلى 80 كم داخل الأراضي العراقية، تقوم بعمليات عسكرية برية وجوية وصاروخية مستمرة نحو جبل قنديل، شما العراق، الذي يعتبر قاعدة أساسية لحزب العمال تهدد من خلاله الأمن التركي.
الهدف هو قنديل
لكن قنديل، بحسب ما يقوله مدير المركز العراقي، من الجبال والمناطق الصعبة والمعقدة التي يصعب على الجيش التركي اجتياحها بسبب تخندق مقاتلي حزب العمال هناك ووضعهم تحصينات بالإضافة إلى امتلاكهم الأسلحة المتطورة.
وعن العملية التركية المتوقعة يقول فيصل وهو دبلوماسي سابق أيضا،: "هذا التمدد الاستراتيجي في عمق الأراضي العراقية الذي في الأساس لم يكن عبر موافقة الحكومة العراقية، هو من أجل ضمان وجود حزام فاصل أمني على امتداد الحدود العراقية التركية في الشمال، شبيه بالمنطقة العازلة بين تركيا وشمال سوريا وهي منطقة تستخدم لمهاجمة حزب العمال".
وأضاف: "بالمقابل حزب العمال لديه استراتيجية إقليمية ويريد الذهاب إلى إنشاء دولة كردية تمتد من تركيا والعراق وإيران سوريا، هذا كله يؤدي إلى تناقضات الاستراتيجيات في المنطقة وصراع إقليمي".
كما يقول أن "إقامة دولة كردية مستقلة من الأراضي التركية والعراقية والإيرانية والسورية يعود انتهاك لميثاق الأمم المتحدة وانتهاك لمبدأ أساسي في القانون الدولي وهو وحدة الأرض وسلامة الحدود، بمعنى الحفاظ على طبيعة الدول والخرائط السياسية التي ظهرت بعد حرب عالمية أولى وتفكك السلطة العثمانية وبعد الحرب العالمية الثانية".
ويبين أن "أنقرة تستخدم ضد تهديدات حزب العمال للأمن القومي التركي المبدأ الموجود أيضا في الأمم المتحدة وهو الحق الذاتي عن النفس في إطار المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة".
زيارة أردوغان
وكان أردوغان الرئيس التركي، قد طلب العام الماضي من حكومة محمد السوداني أن تعترف الأخيرة بأن حزب العمال "منظمة إرهابية"، مقابل تسوية ملفات عالقة بين البلدين أمنية، واقتصادية، وطاقوية، وبما يتعلق بملف المياه.
ويتوقع بحسب معلومات وردت لـ"جسور" أن يعيد أردوغان في زيارة متوقعة في نيسان/ أبريل المقبل، هذه الطلبات.
وفي حزيران العام الماضي، أعلن مسؤولفي الخارجية العراقية قرب زيارة الرئيس التركي، ثم تأجلت إلى أيلول الماضي.
وقالت مصادر مطلعة آنذاك، إن "ضوء أخضر لم يصدر من طهران بعد لزيارة أردوغان"، بسبب تورط إيران، كما يتم تسريبه، في ملف حزب العمال.
وأشارت تلك المصادر إلى أن أطرافا في الإطار التنسيقي، كانت قد عرقلت الزيارة المفترضة للرئيس التركي إلى العراق العام الماضي.
وكان أردوغان الذي فاز العام الماضي بالانتخابات الرئاسية محققا أكثر من 52 % من إجمالي الأصوات، زار بغداد مرتين في عامي 2008 و2011.
ويقول غازي فيصل الدبلوماسي العراقي السابق إن زيارة أردوغان المتوقعة ستشمل "لقاء مع رئيس الحشد فالح الفياض لأن الحشد جزءًا من الجماعات التي تدعم حزب العمال في سنجار خاصة".
وأضاف أن "تركيا تتهم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في العراق بدعم حزب العمال ولذلك أوقفت في وقت سابق الطيران بين الخطوط الجوية التركية إلى مطار السليمانية" لفرض عقوبات على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يسيطر على السليمانية.
وكان العراق قد كشف العام الماضي، عن أن طائرة مسيرة قتلت 3 أشخاص في إقليم كردستان، دخلت الأجواء العراقية من تركيا.
وقصفت الطائرة في أيلول/ سبتمبر 2023، مطار عربت الزراعي قرب مدينة السليمانية، ثاني أكبر مدن إقليم كردستان العراق، والذي يستخدم للطائرات الخاصة برش المبيدات الزراعية.
وأسفرت الضربة عن مقتل ثلاث قيادات في " قصد " وهي مجموعة معارضة لتركيا.
ويقول فيصل: "هناك شبكة من العلاقات المعقدة لوجود حزب العمال في العراق والمنطقة وهناك إصرار من تركيا لتقويض القدرات العسكرية وتصفية حزب العمال التي تعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية".