خرجت الى العلن في الآونة الأخيرة معلومات عن لقاء زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وسطاء نقلوا رسائل إلى زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر أو المقربين منه فحواها أن المالكي لا مانع لديه بإجراء انتخابات مبكرة مع تغيير النظام الانتخابي وعودته إلى الدوائر المتعددة التي كانت إحدى نتائج حراك الشارع العراقي إبان ثورة تشرين عام 2019.
فبحسب المصادر، فإن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، حمّل وسطاء مقربين من التيار الصدري رسائل إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، للتفاهم حول عودة الأخير إلى العملية السياسية عبر الانتخابات التشريعية المقبلة، تضمنت الرسالة أيضاً، إمكانية مناقشة الانتخابات المبكرة لو طلب الصدر ذلك .
المالكي طبعاً ليس الطرف الوحيد داخل الإطار التنسيقي الذي يحاول التواصل مع الصدر، فالمصادر السياسية تؤكد أن قيادات مثل عمار الحكيم وهادي العامري يحاولون التواصل مع مقتدى الصدر ومعرفة خططه بشأن العودة إلى العملية السياسية، إلا أن الصدر يبدو بأنه يعيش حالة الاعتكاف السياسي فعلاً ولا يصدر منه أو عنه أي بوادر بالعودة إلى الشارع السياسي لغاية اللحظة!
رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من جانبه يحاول فك شفرة "الحنانة" معقل الصدر ويتردد في أوساط المراقبين أن هناك فعلاً تواصل مباشر أو غير مباشر بين الرجلين وإن لم يتم تأكيد هذه المعلومات من الطرفين.
ماذا يريد المالكي أو ما الذي يخشاه ؟
لا شك أن المالكي والذي رغم تجاوزه السبعين من العمر، لا زال يحلم بالعودة إلى كرسي الحكم بعد 8 سنوات من الجلوس عليه منذ عام 2006 ولغاية 2014 حيث اختتم نهاية ثماني سنوات متتالية من حكمه بفاجعة سقوط الموصل وضياع موازنة عام 2014 والتي كان فيها وزير المالية وكالةً بذلك العام هو رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني!
المالكي حاول إقناع أطراف داخل الإطار بعد انسحاب الصدر من العملية السياسية عام 2022 بأن يكون هو رئيس الحكومة، غير أن البوصلة اتجهت للسوداني على أنه الاسم الأقل استفزازاً للصدريين في ذلك الوقت، رغم أن الصدريين كذلك عارضوا تكليفه رغم انسحابهم من العملية السياسية، لتحدث في وقتها أحداث الخضراء الدموية في الثلث الأخير من ذلك العام .
بعد ذلك، فإن حكومة السوداني الحالية أجمع المعارضون والموالون لها في ذلك الحين، على أنها حكومة المالكي بإمتياز، عطفاً على أن السوداني هو (الابن البار) للمالكي وحزب الدعوة (رغم انشقاقه الشكلي إبان حراك تشرين و تأسيس تيار الفراتين ومحاولة تكليفه بتشكيل الحكومة خلفاً لعادل عبد المهدي) وبالتالي رفض الشارع الثائر في وقتها كون السوداني هو ابن السلطة ذاتها التي خرجت ضدها تشرين في حينها!
لهذا كان أشد المتحمسين لتشكيل حكومة السوداني عام 2022 هو المالكي ودولة القانون وحزب الدعوة بشكل عام، إضافةً لقوى الإطار التنسيقي بشكلٍ عام، وظن الجميع أو الاغلب أن المالكي هو رئيس وزراء (الظل) أو رئيس الجمهورية (العميقة)، غير أن المفاجأة كانت بأن أطرافاً أخرى داخل الإطار هي من استحكمت بمفاصل السلطة الحاكمة خصوصاً في الأجهزة الأمنية، إذ إن عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي كان لها الكأس المعلى في هذه الحكومة كما يرى المراقبون ذلك، كذلك فإن أطراف أخرى داخل الإطار مثل تيار الحكيم والعبادي قد تربّحت من تقاسم السلطة (أرباحاً سياسية وغيرها) وإن كانت بشكلٍ أقل من بقية القوى الكبيرة داخل الإطار.
هذا الوضع الجديد أربك حسابات المالكي فيما يبدو، والذي من غير المستبعد أن يرى نفسه وقد أصبح من (كهول) الإطار مقابل فئة شابة تحلم بتصدر مشهد الزعامة لوقتٍ طويل والتي تملك ثنائية السلطة والسلاح وهما ثنائية (السوداني والخزعلي) واللذان دخلا في حلف سلطوي غير معلن ومن غير المستبعد أن يمتد ليكون حلفاً انتخابياً ليبقى السوداني حينها رئيسًا للوزراء ربما بواقع مدير عام كما قال الخزعلي ذلك صراحةً في أحد خطاباته..
حنكة المالكي على المحك!
يُجمع الكثير من المراقبين على أن المالكي هو حجر عثرة بمواجهة أي مشروع منافس له واستخدم غير مرة حنكته السياسية بإفشال هذه المشاريع المنافسة له والتي أرادت إبعاده عن المشهد السياسي، ولنا بتجربة إفشال مشروع حكومة الاغلبية التي أرادها الصدر مثال حي على ذلك.
وبطبيعة الحال فإن المالكي سيقاتل من أجل منع رفاق السلطة في الإطار من المضي بمشروعهم غير المعلن والذي يهدف إلى تحجيمه سياسياً، ولهذا فإن المالكي لن يتردد حتى بمحاولة استعادة العلاقة غير المستقرة أساساً والتي كانت تربطه مع الصدر في بعض الأحيان والتي كان منها قبول الصدر بتجديد ولاية المالكي الثانية عام 2010 وذلك على حساب الفائز الحقيقي زعيم القائمة العراقية اياد علاوي !
المالكي بطبيعة الحال وإن لن ينجح ربما في استعادة العلاقة اللدودة مع الصدر من أجل قطع الطريق على طموح السوداني والخزعلي واللذان بدورهما أيضاً يبحثان عن منفذ يوصلهما للصدر، إلا أن المالكي بمناورته هذه ربما يوجه رسالة تحذيرية واضحة لهذين الطرفين بأن لديه أوراقاً كثيرة للمناورة السياسية من أجل بقاء نفوذه وإن اضطره ذلك للتنازل لمقتدى الصدر وفتح باب الاحتمالات المحرجة وربما الخطيرة أمام السوداني والخزعلي و مشروعها الواضح للعيان، فالمالكي بطبيعته لا يرضى بأن يكون تحت جناح أحد، بل الذي يرضي طموحه السياسي فقط أن يكون الجميع تحت جناحه.
لكن يبقى السؤال المهم: هل يرضى الصدر بمبادرة المالكي؟
إن رضي الصدر بمبادرات وغزل المالكي فما فائدة خروجه من البرلمان والعملية السياسية وكان لديه 73 مقعداً وكان بالإمكان عبر هذا العدد تغيير البوصلة السياسية وإجبار الإطار الى الذهاب لانتخابات مبكرة أو على الأقل القبول بحكومة يشارك فيها الإطار لكن بشروط الصدر، ليعود الصدر اليوم ليبدأ اللعبة من الصفر وليقبل بمبادرة المالكي التي تبحث عن انتخابات مبكرة والعودة إلى الدوائر المتعددة والتي يريدها المالكي من أجل قطع الطريق على طموح السوداني !
لهذا فمن المستبعد أن يوافق الصدر على هكذا رسائل إن ثبت صحة وجودها والتي أكد وجودها نائب رئيس الوزراء الأسبق بهاء الأعرجي في لقاء تلفزيوني قبل أيام قليلة.
ومع استبعاد فرضية موافقة الصدر على رسالة المالكي، يتبادر إلى الذهن سؤال:
أين الاستقرار السياسي الذي يعيشه العراق في ظل الحكومة الحالية والذي يروجه مؤيدو قادة الإطار، إن كان الإطار نفسه يعيش حالة عدم استقرار؟!