منذ انتشارها في لبنان، تمثل وسائل التواصل الاجتماعي مساحة مهمة لإبداء الرأي، غير أن حرية التعبير المكفولة في البلد الديمقراطي باتت محاصرة بآراء شمولية تعمل على قمع أي صوت يعارضها عبر اتهامات معلبة.
واتسعت الهوّة بين المواطن ودولته مع كل استدعاء أمام المحكمة العسكرية في تجاوز فاضح للمحاكم المدنية ومع تغييب واضح لمحكمة المطبوعات وتضارب الآراء بشأن صلاحياتها.
لم يكن استدعاء الناشط السياسي والأكاديمي مكرم رباح الأول من نوعه ولن يكون الأخير في لبنان، ويعتبر الأستاذ في القانون الدولي المحامي أمين بشير في حديث لـ"جسور" أن لبنان تحوّل فعلياً إلى دولة قمعية عسكرية حيث بات النظام الأمني اللبناني يستنسخ النظام الأمني السوري ويمارس الانتهاكات التي كان يمارسها لأخير.
خرق القوانين وتغييب القضاء المدني
ويؤكد بشير أن قضية مكرم رباح تشبه الاستدعاءات الأخرى بالشكل من حيث خرقها "للقوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان كما القوانين اللبنانية" مضيفاً: "لا يحق لجهة أمنية استدعاء أي مواطن من دون أخذ إشارة من قاض مدني".
ويشرح قائلاً "إن القضاء اللبناني قضاء مدني، وفي الدول المدنية، لا يتم استدعاء المواطنين وإن عبر قوى أمنية أو عسكرية، سوى بناء على إشارة من القاضي المدني احتراماً لحقوق الإنسان وحق الدفاع عن النفس" الأمر الذي لم يحدث في قضية رباح وغيره.
ويضيف "في لبنان تستدعي القوى الأمنية اللبنانية من أمن عام ومخابرات وفرع معلومات المواطنين بأمر من ضابط عسكري حيث تؤخذ الإشارة من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية ما يجعل الملاحقات منوطة بالمحكمة العسكرية وكأننا فعلياً في حالة احتلال وأمام محاكم عرفية" مضيفاً "وتمارس على المستدعى كل أساليب انتهاك حقوق الإنسان من ضغط وابتزاز واستدراج لدفعه إلى الإقرار بأي معلومة ".
وأمام استبعاد القضاء المدني في لبنان، يعيد بشير التذكير بما قامت به منظمة العفو الدولية حيث "نظّمت مؤتمرًا طالبت فيه بتشريع قانون وقف تجريم إبداء الرأي في لبنان وأخذ المواطنين إلى القضاء الجزائي وسجنهم وإهانتهم ثم إخراجهم عند التأكد من براءتهم مطالبة بالتالي أن يتم الادعاء أمام المحكمة المدنية إن كان لدى جهة الادعاء ما يثبت صحة ادعاءاتها".
دور محكمة المطبوعات
وعن سبب عدم التوجه إلى محكمة المطبوعات، يشرح بشير أن الأخيرة "لها نظامها الخاص الذي يفترض أن يكون المستدعى صحافيا أو صاحب منشورات ورقية" ومشكلة قانون المطبوعات أنه قديم يعود لأيام العثمانيين حيث لم يواكب التطوّر الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي ولم يلحظ بالتالي المنشورات على الانترنت وكيفية ملاحقة الأشخاص على الشبكة".
وفي غياب هذه المواكبة، بات كل من يبدي رأياً على مواقع التواصل الاجتماعي يعتبر أنه يثير النعرات الطائفية والتهم جاهزة على حد قوله أبرزها "إما تحقير الدولة أو استدراج العدو أو إثارة النعرات الطائفية".
هل الحضور إلزامي؟
المؤسف أن المستدعى لا يحق له الامتناع عن الحضور يؤكد بشير حيث يتم إصدار مذكرة جلب أو قرار توقيف بحقه من قبل مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية
وحول ما صدر عن رباح خلال إحدى المقابلات يقول "من الغباء اعتبار ما قاله مكرم رباح تهديدا للأمن القومي لكونه لم يقدّم أي معلومات لا يمكن الحصول عليها عبر أي عملية بحث في الانترنت" مشددا على أن "ما قاله عن نهر الليطاني يختلف بالأسلوب فقط عن غيره ممن ينتقدون ما حصل من ضرر في النهر".
رسالة إلى اللبنانيين
وفي الختام وجه بشير رسالة إلى الرأي العام اللبناني داعياً إياه إلى المزيد من الوعي حول حقوقه "لبنان وقّع على ميثاق الأمم المتحدة وميثاق حقوق الإنسان ما يجعل منه دولة مدنية لا يحق لها انتهاك حقوق الإنسان كما يحدث في لبنان" كما طالبه بالتمييز "بين الدول المدنية والدول العسكرية أو التوليتارية التي يحكمها نظام ديكتاتوري يضرب قوانين حقوق الانسان عرض الحائط".
وبدورنا نسأل: "أين النواب والوزراء من كل ما يحدث من انتهاكات بحق المواطن اللبناني؟ أولم يحن الوقت ليستعيد لبنان صورته الديمقراطية التي ضرب بها المثل يوماً ما؟"