زاد الجدل والنقد وحتى الاتهام في الآونة الأخيرة ضد المحكمة الاتحادية العراقية خصوصاً من قبل أطراف التحالف الثلاثي (السابق) الذي كان يريد تشكيل حكومة أغلبية. وتُعزى هذه الاتهامات إلى ما يراه أقطاب هذا التحالف بأن قرارات المحكمة الاتحادية دوماً ما تصب في مصلحة الطرف الآخر من المعادلة السياسية في العراق أي الإطار التنسيقي وحلفاءه من كُردٍ وسُنّة.
كانت هذه المحكمة قد تشكلت في عام 2005 وذلك حتى قبل التصويت على الدستور العراقي، وتتشكل المحكمة من عدة أعضاء تم تقسيم مقاعدهم بحسب المحاصصة السياسية والطائفية والقومية حال باقي المناصب والمؤسسات السيادية في العراق والذي دأب عليه العُرف السياسي العراقي في عصر ما بعد الديكتاتورية على التحاصص من أعلى المناصب لأقلها مكانةً وسلطة.
مبدأ العدول عن القرارات السابقة
كان من أبرز هذه الانتقادات التي وجهت إلى المحكمة، هو مبدأ العدول عن قرارات سابقة اتخذتها المحكمة ذاتها في أوقات سابقة، ويرى ناقدي قرارات المحكمة الاتحادية، بأن قراراتها دائما ما تصب في صالح طرف سياسي معين مع حلفائه ضد طرف سياسي آخر مع حلفائه. ففي كلتا الحالتين عند إقرار قرار معين، يكون هذا القرار في صالح هذه الجهة ضد الجهة الأخرى، وعند العدول عن هذا القرار مرةً ثانية في سنوات لاحقة، يكون قرار العدول في صالح الجهة ذاتها كذلك، والتي كان القرار الأول في صالحها...
وليس ما حصل عام 2010 إلا مثال حيّ عن ذلك، فسّرت الكتلة النيابية الأكبر بالكتلة البرلمانية التي تتشكل في الجلسة الأولى بين تحالفات عدة وليس الكتلة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات، وهذا التفسير في انتخابات ذلك العام، كان يصبّ في مصلحة تولّي نوري المالكي منصب رئيس الوزراء رغم أنه كان الفائز الثاني بعد إياد علاوي الفائز الأول في الانتخابات، ثم فسّرت الكتلة الأكبر عام 2022 تفسيرًا مغايرًا ليصب مرة أخرى في صالح طرف نوري المالكي والإطار من حلفائه، لكن بطريقة مغايرة للطريقة الأولى، ليخسر الصدر وحلفاؤه ما تعكّز عليه في تفسير الكتلة الأكبر عام 2010 ليكون هناك تفسير آخر وهو ضرورة حضور ثلثي عدد النواب في جلسة التصويت لرئيس الجمهورية الذي بدوره يكلف مرشح الكتلة الأكبر، وهذا الذي لم يحصل نتيجة عدم إمكانية وجود هذا الرقم من عدد النواب لصالح التحالف الثلاثي الذي كان يضم (الصدر وبرزاني والحلبوسي) بسبب التفسير الذي قالته المحكمة الاتحادية حينها.
قرارات أخرى أثارت الجدل
التحالف الثلاثي الذي فشل بتشكيل حكومة أغلبية بعد انتخابات عام 2021 بسبب تداعيات معارضة نتائج هذه الانتخابات، وانسحاب مقتدى الصدر والقرارات القضائية للمحكمة الاتحادية المصاحبة لهذه الأحداث ومنها منع ترشيح هوشيار زيباري بداعي قضايا فساد مالي وإداري، بالإضافةً إلى قرار وجوب وجود ثلثي أعضاء البرلمان لتمرير رئيس الجمهورية، إذ يرى هذا التحالف أن قرارات المحكمة الاتحادية أغلبها ضده، وفي أوقات معينة، كأن تكون قريبة من حسم الأمور لصالح مشروعه المتمثل بحكومة أغلبية في حينها، وحتى بعد انفراط عقد هذا التحالف، يرى أركانه بأن قرارات المحكمة هي ضد ما تبقى منه، ومثال ذلك رئيس البرلمان محمد الحلبوسي المقال بقرار من المحكمة الاتحادية والذي ينتقد قرار إقالته ويعتبره قرار سياسي استهدفه.
كذلك القرارات المتخذة ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني الضلع الرئيسي في التحالف الثلاثي والذي اعتبر أن قرارات هذه المحكمة هي استهداف لحزبه وحكومة إقليم كردستان، ومثال ذلك القرار الأخير حول رواتب موظفي الإقليم، والقرار الآخر قبل أشهر بعدم دستورية استمرار عمل برلمان كردستان، أغلبها قرارات اعتبرها الحزب الديمقراطي الكردستاني بأنها استهدافات سياسية بسبب فكرة التحالف الثلاثي بحسب تغريدات وتصريحات ساسة هذا التحالف.
تشكيك بالمحكمة
في الفترة الاخيرة زادت الانتقادات فضلاً عن التشكيك في المحكمة ورئيسها جاسم العميري، والذي قال في تصريح (سياسي لا قضائي) "إن المحكمة الاتحادية ملتزمة بما اتفق عليه المؤسسون للعملية السياسية في العراق". تصريح، اعتبره مراقبون أنه غير شفاف ويعكس ميولاً سياسية لا قضائية-حقوقية.
الأمر الآخر الذي أثار الجدل، هو قيام القيادي في الإطار التنسيقي هادي العامري، بترشيح نجل جاسم العميري لمنصب محافظ ديالى، وذلك بعد أخذ موافقة جاسم العميري، ليتم بعد ذلك سحب ترشيح هذا الشاب الذي لم يصل الثلاثينات من عمره بسبب عدم توفر الشروط المطلوبة لتسلم المنصب. وهنا يأتي السؤال، كيف يوافق القاضي الخبير بالقوانين جاسم العميري على تسلم نجله منصب محافظ في حين لا يملك الأخير الشروط القانونية اللازمة لذلك؟!
بطبيعة الحال ازدادت التصريحات المنتقدة لوضع المحكمة الاتحادية بسبب قرارات باتت في الأشهر الأخيرة، إضافةً إلى قرارات أخرى في السنوات الماضية، وكانت آخر هذه التصريحات هو التصريح المثير للجدل للنائب السابق مشعان الجبوري والذي قال بأن رئيس المحكمة الاتحادية جاسم العميري قد هدده إبان انضمامه للتحالف الثلاثي بأن عدم انسحابه منه يعني إقالته من البرلمان، وهو ما حدث فعلا عبر إسقاط عضويته بقرار من المحكمة الاتحادية عام 2022 في ذروة الصراع بين التحالف الثلاثي والإطار التنسيقي على غنيمة تشكيل الحكومة!
وعن دستورية المحكمة الاتحادية وتصريح مشعان الجبوري فقد تحدث لـ"جسور"، الكاتب والباحث السياسي الدكتور يحيى الكبيسي قائلاً إنه و"بعد مراجعة قرارات المحكمة الاتحادية إثر إعلان نتائج انتخابات 2021، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المحكمة عملت على تفكيك التحالف الثلاثي إنفاذاً لرغبة الإطار التنسيقي وحلفاءه وهذا ما قلناه وكتبناه حينها مرارًا."
وعن شرعية المحكمة الاتحادية، قال الدكتور الكبيسي إن "عدم شرعية المحكمة الاتحادية القائمة حاليًا هو أمر محسوم، إذ في العام 2019 أصدرت المحكمة الاتحادية قرارًا باتًّا وملزمًا للسلطات كافة بموجب الدستور، وهو القرار (38/اتحادية / 2019) والذي قضى بعدم دستورية المادة 3 من قانون المحكمة الاتحادية رقم 30 لسنة 2005، والذي يعطي لمجلس القضاء الأعلى صلاحية ترشيح قضاة المحكمة الاتحادية."
وأضاف الكبيسي "استندت المحكمة الاتحادية في قرارها هذا، إلى أن المادة 91/ ثانيًا من الدستور قد قصرت صلاحيات مجلس القضاء الأعلى على ترشيح عناوين قضائية محددة وردت على سبيل الحصر، ومن ثم فإن ترشيح أعضاء المحكمة الاتحادية العليا أصبح خارج اختصاصات مجلس القضاء الأعلى اعتباراً من صدور دستور جمهورية العراق ونفاذه في العام 2005".
وختم الدكتور يحيى الكبيسي حديثه لجسور بالقول "وبما أن المحكمة الاتحادية الحالية قد تشكلت من خلال ترشيحات قام بها مجلس القضاء الأعلى بموجب قانون تعديل قانون المحكمة الاتحادية رقم 52 لسنة 2021 فهذا يعني أنها تشكلت من خلال انتهاك صارخ لقرار المحكمة الاتحادية السابق البات والملزم للسلطات كافة، وهذا يجعلها غير شرعية بالمطلق!"
ويتساءل مراقبون ما إذا كانت المحكمة الاتحادية لتطبيق فقرات الدستور، أم أنها لخدمة المصالح الحزبية التي تريد أن يكون الدستور لصالحها؟ وهل أن مبدأ العدول الذي تتخذه المحكمة هو أمر منطقي أم لا؟
مع ملاحظة أن غالبية القضاة في المحكمة الاتحادية لم يدخلوا معهد القضاء العالي وهو أحد شروط التصدي للمسؤولية في هذه المحكمة بحسب تصريحات بعض القانونيين."
ويرى قانونيون آخرون، أن تخصص المحكمة الاتحادية لا يتناسب مع قراراتها الأخيرة أمثال قرار إلزام توطين رواتب الإقليم وقانون انتخابات الإقليم والتي يعتبرها البعض من هؤلاء القانونيين مسائل تشريعية برلمانية او تنفيذية حكومية!