تتلقّى إيران والجماعات التابعة لها بشرق سوريا ودير الزور في الآونة الأخيرة، ضربات قويّة ربّما تُشير وفقَ مصادر عديدة إلى تقليص وجود تلك القوات في هذه المنطقة المهمّة على الأراضي السورية.
ماذا يحصل في دير الزور؟ كيف ضُربت إيران وقيادات الحرس الثوري هناك؟ هل ذلك له علاقة بالصراع الأميركي الإيراني على الحدود السوريّة - العراقيّة؟ ما قصّة الخلاف بين طهران والنظام السوري بتلك المناطق؟
ضربة قاصمة للنفوذ الإيراني
تلّقت الميليشيات الإيرانية في منطقة دير الزور ضربات قاصمة في الأيام القليلة الماضية، حيثُ أعلنت مصادر إعلاميّة عن مقتل عشرات العناصر الإيرانيّة هناك وذلك عبرَ ضربات جويّة استهدفتها، وتضاربت المصادر حولَ مصدر تلك الغارات، فمنها من أكّد بأنها أميركية وأُخرَى قالت إنها إسرائيلية.
مصادر إيرانية مقرّبة من "الحرس الثوري الإيراني" أعلنت عن مقتل ضابط برتبة عقيد في الهجوم الذي وقع بدير الزور، بالمقابل تداولت مصادر أمنيّة إسرائيلية أخباراً عن قصف الطيران الإسرائيلي أهدافاً تابعة لإيران وأسفرت عن مقتل أكثر من 13 عنصراً من مقاتلي الميليشيات التابعة لإيران، مشيرةً إلى أنّ الأهداف التابعة لفيلق القدس التي تم استهدافها تتعلق بتهريب السلاح للميليشيا اللبنانية التابعة لطهران، فيما قالت مصادر مقرّبة من طهران أنّ الضربات الجويّة نفّذتها طائرات حربيّة أميركية.
ويقول أحد الصحفيّين الناشطين في دير الزور لـ"جسور" إنّ إيران تتعرّض في الأشهر القليلة الماضية، إلى ضربات قد تؤدّي إلى تقليص نفوذها في شرق سوريا، بالأخصّ مع التطورات الإقليميّة المتعلّقة بالحرب على غزة من جهة، والصراع الأميركي-الإيراني على هذه المنطقة الإستراتيجيّة في سوريا.
ويضيف: “بعدَ الهدوء الحذر الذي شهدته مناطق دير الزور والبو كمال والميادين وجميع المناطق التي تحتلّها إيران والميلشيات التابعة لها بشرق سوريا، حيثُ كانَ يوجد نوع من التفاهم "الغير مباشر" بين واشنطن وطهران على ذلك، خصوصاً بعد التصعيد الذي شهدته تلك المناطق منذ 7 أكتوبر من العام الفائت، حيث تلقّت القواعد الأميركية المتواجدة في سوريا ضربات من تلك الميليشيات وردّت أميركا بضربها واغتيال قيادات ومقاتلين تابعين لإيران، ومازال التصعيد بين الطرفين مستمراً وحالياً قد يدخل مرحلة جديدة ترسم ملامح تقاسم النفوذ بينهما".
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أكّد ارتفاع حصيلة الخسائر البشرية على خلفية القصف الجوي الأخير لمواقع ومقرات الميليشيات الإيرانية في دير الزور، حيث قتلَ 8 أشخاص من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس بينهم قياديّ، وشخص من الجنسية السورية، إضافةً لوجود معلومات عن قتلى آخرين.
وأضاف المرصد أن طائرات حربية "مجهولة" نفّذت غارات طالت "فيلا عبد المنعم شهاب" التي تتخذها ميليشيا الحرس الثوري الإيراني كمقرّ اتصالات في حي الفيلات بمدينة دير الزور، ومقر قرب منطقة العباس وموقعين في البو كمال قرب الحدود السورية -العراقية بريف دير الزور الشرقي، كما دوت انفجارات في محيط الميادين أيضاً.
الجدير بالذكر أن الميليشيات التابعة لإيران، أوقفت نشاطاتها ضد القواعد الأميركية في سوريا، منذ 25 شباط الفائت بأوامر من القيادة العسكرية الإيرانية.
أميركا تفصل الحدود السوريّة - العراقيّة؟
تشهد منطقة شرق سوريا صراعاً ذات بُعد استراتيجي بين النفوذ الأميركي والإيراني، حيث تحاول واشنطن تقليص وجود الميليشيات الإيرانيّة هناك.
المصادر الصحفيّة تقول لـ "جسور" إنّ أهالي المنطقة عموماً ودير الزور خصوصاً، يميلون لإخراج إيران وأتباعها من المكان لأنهم ضاقوا ذرعاً من تحكّمها وسطوتها عليهم، وذلك ما يجعلهم يميلون لوجود أيّ قوات حتى لو كانت أميركيّة.
مضيفةً: "ما يحصل حالياً هو معارك تحصل بين أميركا وإيران على الطريق الحيويّ على الحدود السوريّة العراقيّة، والذي يعتبر الشريان الرئيسي لتوريد السلاح والمقاتلين القادم من طهران إلى العراق مروراً بسوريا ووصولاً إلى لبنان، والذي يغّذي الميليشيات الإيرانيّة بشكل رئيسي، وكلّ ذلك طبعاً مرتبط بالأوضاع المتفجّرة بالشرق الأوسط وحرب تلك الميلشيات مع إسرائيل بعدَ "طوفان الأقصى" وما تبعه من ما يسمّى وحدة الساحات لـ"محور المقاومة والممانعة"، وأميركا تبدو أنها تُحارب طهران بسلاحها "الصبر الاستراتيجي" لإخراجها من تلك المنطقة عبرَ ضربات متفرقّة وقاصمة للقوات المرتبطة بطهران، وذلك ما سيجعلها مجبرةً على الانسحاب تدريجياً في المستقبل، ويمهّد لتوسيع النفوذ الأميركي في شرق سوريا من دير الزور إلى التنف حتّى جنوب سوريا، وذلك هو الهدف الاستراتيجي لها والذي سوف يحدّ من الانتشار الإيراني في سوريا ويقطع طريق إيران إلى البحر المتوسط، وما يساعد على ذلك هو السُخط الشعبيّ لأهالي مناطق الميادين والبو كمال ودير الزور من تسلّط القوى الإيرانيّة عليهم والتي تعيث فساداً فيها، مثل انتشار الفوضى وتسليح السكّان وانتشار المخدرات وما إلى هنالك من تصرّفات تجعل الرأي الشعبي يميل إلى إخراج إيران من مناطقهم".
وتنتشر في شرقي سوريا تحديداً بمحافظة دير الزور عشرات الميليشيات التابعة لإيران، والتي دخلت البلاد منذ سنوات لمساندة النظام السور ومن تلك القوّات ميليشيا فاطميّون وزينبيّون وميليشيات لبنانيّة وعراقيّة، كذلك ميليشيا أبو الفضل العبّاس والحسين وحرس القرى وغيرها.
وتنتشر تلك الميليشيات في مناطق مدينة دير الزور وريفها، كذلك في الميادين ومدينة القورية، العشارة، البو كمال، وتضمّ تلك القوّات مئات المقاتلين المنتشرين في مناطق عسكريّة ولوجستيّة مهمّة على الحدود العراقية السوريا، كحيّ العمّال والمطار العسكري ومقرّ الفيلات والضاحية ومستودعات عيّاش وحي القصور وحي الفيلات وحويجة صكر وبور سعيد وحي هرابش، ومناطق بالقرب من نهر الفرات.
خلاف إيران والنظام!
تشير مصادر محليّة بشرق سوريا إلى وجود مؤشّرات عديدة لخلاف بين إيران وأتباعها مع قوات النظام السوري بالمنطقة، ويُعزى ذلك الخلاف إلى سطوة الميليشيات الإيرانية على حليفتها من النظام، كذلك إرتفاع الأصوات الشعبيّة للمطالبة بالحدّ من إنتشار القوّات الإيرانيّة بسبب تجنيد الأطفال والنساء، وتحويل المُدن والقرى في المنطقة إلى ساحة معارك وحروب على حساب الخدمات العامة وإنتشار الفساد وما إلى هنالك من تضييق على السكان المحليين.
ومن بوادر الخلاف بين إيران والنظام بحسب مصادر إعلاميّة، إعتقال المخابرات العسكرية السورية لقياديّ من الميليشيات الإيرانية وحوالي 56 من عناصره، كذلك لاعتقال 37 من عناصر المسلحين المحليين الموالين للميليشيات الإيرانية، بحسب مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، جاءت حملة الاعتقالات تلك بسبب تهمة إعطاء معلومات وإحداثيات للتحالف الدولي، ذلك على خلفية الضربات الجوية الأميركية التي استهدفت عشرات المواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور وريفها، وصولاً للحدود السورية – العراقية، والميادين.