على الرغم من أجواء الحرب والقصف، يصر أبناء الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي في القرى الحدودية جنوب لبنان على الاحتفال بالأعياد وفي أحد الشعانين لم تغب الاحتفالات في وقت تبرز الاستعدادات للفصح المجيد، في تحدّ واضح للوضع القائم، فـ"الصلاة أهم من سماع صوت الصواريخ"، يقول كاهن رعية رميش الأب نجيب العميل.
وتوجه أهالي هذه البلدات إلى قريتهم من العاصمة بيروت واحتفلوا بالعيد وأقاموا "زياح الشعانين"، وسط حشود كبيرة لا سيما في بلدة رميش ومعها بلدات قرى الجنوب اللبناني الحدودية، كان العيد مشوباً بالتوترات والتحديات بسبب الوضع الأمني الذي كان مسيطراً في هذه المناطق.
مشهد لافت ارتسم في بلدة رميش على الرغم من النشاطات العسكرية القائمة في المحيط فشكل ربما تحدياً للنزوح القسري عن البلدة اذ احتضنت رميش أبناءها الذين قصدوها من مختلف المناطق اللبنانية ليجتمعوا في أحد الشعانين في كنيسة البلدة استعدادًا لزرع الفرح من جديد في شوارع البلدة التي تعرضت للقصف مراراً.
لم يكن يوم رميش عادياً، يقول جورج أندراوس لـ"جسور": "أكثر من 2000 شخص شاركوا في زيّاح الشعانين في البلدة، أتوا من بيروت خصيصاً لأجل الصلاة والدعاء في كنيسة رميش"
ويؤكد أن "الشعنينة عيد السلام والمحبة، ورسالتنا كانت رسالة سلام لإنتهاء كابوس الحرب".
وتقول تريز وهي من سكان انطلياس شرق العاصمة بيروت " توجهت مع عائلتي الى البلدة رغم المخاوف الجمة سواء في البلدة ام على طرقها "
تضيف تيريز لـ “جسور": " ربما أردنا أن نتمسك بالتقاليد أكثر من أي وقت مضى وبالقيم القروية والمحلية التي نجمعنا مع الأقارب وتعزز بيننا التلاحم في وجه التحديات"
وفي رميش أيضا تروي السيدة هبة اندراوس لـ"جسور" كيف عمت الفرحة الأطفال مجدداً في باحة الكنيسة بعد أسابيع صعبة من الإختباء في الملاجئ القليلة والرعب من أصوات المدافع" وتقول: " المشهد كان غير كل مرة، اجتمعنا نحن الذين صمدنا في البلدة مع أقاربنا الذين وفقدوا من بيروت لتمضية العيد هنا في رميش"
علما الشعب
وفي علما الشعب لم يختلف مشهد التحدي الذي أصر عليه سكان البلدة تقول حنه حداد لـ “جسور": نحن هنا مع قلة من العائلات أمضينا ساعات ممزوجة بالخوف يوم الأحد، الخوف من القصف والقذائف التي قد تنهمر علينا في أي وقت لكننا أصرينا على بث الأمل بين الأطفال"
وفي سياق متصل، غادر سمير طالب وعائلته علما الشعب في 9 أكتوبر/تشرين الأول عندما سقطت قنبلة في حقل على بعد ثلاث دقائق فقط بالسيارة من كنيسة البلدة، مما هزّ منزله. "
يضيف" يومها انتقلت قرابة 40 عائلة للإقامة مع الأقارب في بيروت، بينما فرّ آخرون إلى مدينتي صيدا أو صور "
ويرى " مشيخي "، وهو أحد شيوخ الكنيسة في علما الشعب، طالباً عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية المنطقة التي يسيطر عليها حزب الله أن الوضع سيء في المنطقة "ويكتفي بعبارة قالها في اتصال مع "جسور" نحن ضحايا"
ويقول ميخائيل الحاج من بلدة علما الشعب وسكان بيروت" احتفلنا هنا في بيروت لأن الغالبية العظمى من سكان بلدتنا، البالغ عددهم 900 شخص، غادروا إلى العاصمة بيروت وجوارها، بينما تنفجر الصواريخ والقذائف فوق رؤوسهم".
ويتابع "بينما وجد القليلون الذين بقوا في بلدة علما الشعب ذات الأغلبية المسيحية، أنفسهم عالقين في مرمى النيران المتبادلة بين حزب الله اللبناني والقوات الإسرائيلية فأي عيد سيكون في بلدتنا؟"
مرجعيون
هي المرّة الأولى التي يحتفي فيها أبناء قرى الجنوب بعيد الشعانين على صوت أزيز الصواريخ، تقول أوديت خوري من مرجعيون " المفارقة أنهم لم يغادروا قراهم، بل تشبّثوا بها، وقرّروا الاحتفال بالعيد رغم الحرب القذرة"
ويقول جان أحد أبناء بلدة القليعة " لم نغيّر من عاداتنا، وأبقينا على مسيرة القليعة الشعبية التي انطلقت من مفرق القليعة الخارجي حتى كنيسة البلدة، في رسالة بمعان كثيرة لعلّ أبرزها بحسب جان "التمسّك بالحياة والإصرار على ممارسة طقوس الفرح رغم ما يحيط بنا من دمار، لأن قيمة الشعنينة تتمثّل بهذه القيم".
وعلى مسافة قليلة من مستعمرات اسرائيل المواجهة للقليعة، يضيف جان لـ"جسور" العيد يعني هنا للأطفال الكثير، يعني السكينة والطموح والإستقرار، ولن يثنينا شيء عن الاحتفال به ولن تحول أصوات القصف من قرع الأجراس والفرح، لأن صوت الفرح أقوى من صوت القصف".