بشكل غير علني تحاول أجنحة داخل الإطار التنسيقي الترتيب لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة تحت ذريعة "الصدر (زعيم التيار الصدري) يريد ذلك"!
وتواجه تلك الدعوات برفض شديد من الفريق الداعم لرئيس الحكومة محمد السوداني داخل المنظومة الشيعية، التي يبدو أنها تخشى "عودة مطلقة" للصدر والمالكي، زعيم دولة القانون.
وكانت انتخابات 2021 التشريعية التي جرت في العراق، هي انتخابات مبكرة جاءت على خلفية الاحتجاجات الكبيرة في تشرين 2019، عقب إسقاط حكومة عادل عبد المهدي السابقة ونتائج الانتخابات الأخيرة، التي قادت إلى سيطرة الإطار التنسيقي على مقاليد الحكم، عقب انسحاب الصدر، كان يفترض أن ترتب أيضا إلى انتخابات مبكرة ثانية.
أغلب القوى السياسية بعد "تشرين" وصلت إلى قناعات بضرورة إجراء إصلاحات شاملة في العملية السياسية لتجنب ما جرى في تلك التظاهرات الكبيرة والمنظومة السياسية من بعد عبد المهدي (رئيس الوزراء الأسبق) لم تستقر حتى الآن، لذلك كان يحمل برنامج السوداني الحكومي، الترتيب لإجراء انتخابات مبكرة بعد عام من توليه المنصب.
استلم السوداني الحكومة أواخر 2022، وبعد عام واحد استطاع أن يجري انتخابات محلية، بعد أن توقف دام 10 سنوات بسبب النزاعات السياسية.
لكن السوداني سكت بالمقابل عن إجراء انتخابات مبكرة، رغم أن القوى الشيعية قبل تشكيل الحكومة، كانت قد تعهدت بإجراء الانتخابات.
قال المالكي، زعيم دولة القانون، في صيف 2022، ردًا على طلب الصدر بإجراء انتخابات مبكرة، أن يستأنف البرلمان عمله.
في ذلك الوقت كان أنصار الزعيم الشيعي اقتحموا المنطقة الخضراء التي تضم مقرات الحكومة والبرلمان، وسط بغداد، وعطلوا عمل السلطة التشريعية لعدة أشهر.
وانتهت الأزمة في ذلك الوقت بصراع مسلح نادر، داخل المنطقة الحكومية، بين أنصار الصدر والجماعات المسلحة، ثم إعلان الصدر اعتزاله بشكل نهائي عن السياسة.
السوداني بعد توليه الحكم، قال اكثر من مرة بأنه "مستعد لإجراء الانتخابات" لكن على "البرلمان أن يحل نفسه أولا"، بحسب الدستور وقوانين الانتخابات في العراق.
وهنا رمى رئيس الحكومة الكرة في ملعب القوى السياسية التي كانت متأكدا حتى وقت قريب، بأنها لا تريد الذهاب إلى انتخابات مبكرة. لكن ما الذي تغير الآن؟
شعبية السوداني. وصعود الخزعلي
في لحظة ترشيح السوداني لرئاسة الحكومة في تموز 2022، كان المالكي قد رفض اسم السوداني، بسبب الخلاف السابق بين الرجلين.
السوداني إبان احتجاجات تشرين كان قد قدم استقالته من حزب الدعوة، وهو بحسب تصريحات سابقة لرئيس الحكومة، قد أعدم صدام حسين والده لانتمائه إلى "الدعوة".
وتسلم السوداني نحو 6 وزارات في حكومتي المالكي (2006-2014)، وكان أشبه بـ "الابن المدلل للمالكي"، وفق ما تصفه الأوساط السياسية.
كان السوداني في وقت الانشقاق عن حزب الدعوة، وفق ما يتداول في الأوساط السياسية، طامحا برئاسة الوزراء بعد عبد المهدي، وهو أمر لم يتحقق إلا بعد 3 سنوات.
غضب المالكي على ما يبدو من خروج السوداني من الحزب، ليجده بعد ذلك مرشح عن قيس الخزعلي، زعيم العصائب، لحكومة ما بعد مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء السابق.
وتنازل المالكي وقتذاك عن رغبته التي لا زالت حاضرة، في الحصول على رئاسة الحكومة للمرة الثالثة، بسبب اتفاق شيعي، على إبعاد الخط الأول من الزعامات أو ما يطلق عليهم بـ "الشيوخ" امثال الأخير، هادي العامري زعيم منظمة بدر، حيدر العبادي، رئيس الوزراء الأسبق، وفالح الفياض، رئيس الحشد.
لكن كان المالكي طوال الوقت يعتقد بان "الإطار" قد أخطأ بقرار تجاهله، وبأن التحالف الشيعي سيعود مرة أخرى للطلب من زعيم دولة القانون تولي الحكومة.
في الضفة الأخرى تجاوز السوداني كل الحواجز وصعد وإلى جواره الخزعلي، الذي يعتبر عراب رئيس الحكومة، وهو صعود يقلق المالكي وباقي القوى الشيعية.
وفي لحظة مفاجأة طلت "الانتخابات المبكرة" برأسها من جديد، بذريعة أنها الوسيلة الوحيدة لإعادة الصدر إلى حضن التحالف الشيعي.
يقول قيادي في حزب الدعوة ومقرب المالكي لـ "جسور" أن "الصدريين جماعة ملغومة، يمكن أن تنفجر بأي وقت، ومن الصحيح إعادتهم إلى العمل السياسي".
ويضيف: "حصلت لقاءات بين أطراف في التيار مع حزب الدعوة، والأول طلب بإجراء انتخابات مبكرة وتعديل قانون الانتخابات".
ويشير القيادي والذي فضل عدم نشر اسمه: "نحن لا ندعم الانتخابات المبكرة لكن إذا أراد الصدريين ذلك فنحن لا نمانع".
ويعود القيادي في الدعوة ليقول: "بقاء الصدريين خارج السياسة أمر مقلق، أما طلبهم العودة إلى الانتخابات يعني بأنهم موافقون على العملية السياسية الحالية".
وكان الصدر قد وجه كلاما قاسيا، بعد اعتزاله في صيف 2022، ضد القوى السياسية والشيعية تحديدا، وصفهم أكثر من مرة بـ "الفاسدين" و "المليشيات الوقحة"، ورفض مشاركتهم.
لكن المالكي في حوار تلفزيوني قبل أيام، قال بأن لديه معلومات أن "الصدرين يرتبون للعودة إلى الانتخابات"، فيما لم يصدر أي إشارة حتى الآن من الصدر بذلك.
ويحاول بعض المحليين ربط تحركات الصدر الشعبية مؤخرا من التجول بالأسواق وجمع التبرعات إلى غزة، وزيارة المرجع الشيعي الأعلى في النجف، علي السيستاني، قبل أسبوع، بان زعيم التيار يحضر لشيء ما؟!
يقول النائب عدنان الزرفي، بالحديث عن الانتخابات المبكرة وعودة الصدر أنها "حتمية وستجري في نهاية العام الحالي أو بداية السنة المقبلة وبمشاركة التيار الصدري".
وبقي أمام البرلمان نحو عام ونصف العام على نهاية دورته، لكن الزرفي وهو مكلف سابق برئاسة الحكومة بعد عبد المهدي، قبل أن يعتذر عن التكليف، يقول إن "برنامج الحكومة يتضمن انتخابات مبكرة، وهي حل سياسي للأزمات".
وأضاف في حوار تلفزيوني أن "الانتخابات السابقة كانت تشوبها عمليات تلاعب".
رأي مختلف..
إلى ذلك يقول الفريق الآخر المعارض للانتخابات، وهو يبدو الغالب داخل الإطار الشيعي، بأن الوضع الحالي لا يحتاج إلى "انتخابات مبكرة"، وبأنها لعبة من طرف سياسي يحاول الحصول على "مناصب إضافية".
ويتحدث رحيم العبودي عضو تيار الحكمة، بزعامة عمار الحكيم، في مقابلة مع "جسور" عن قضية الانتخابات المبكرة وعودة التيار الصدري المحتملة إلى السياسة.
ويقول العبودي: "في الآونة الأخيرة برزت تصريحات تقول بأهمية الانتخابات المبكرة وإنها ضرورة باعتقاد بعض الشخصيات السياسية والمحللين من خط سياسي واحد، لكن لننظر للموضوع من جميع الزوايا فهل فعلا هو ضرورة ملحة؟ ولماذا يعتقد البعض بذلك؟ وكيف يمكن تمرير الانتخابات المبكرة وتحت أي عنوان؟".
ويوضح قائلا: "اللجوء إلى الانتخابات المبكرة يأتي للتخلص من وضع سياسي وأمني قلق ومرحلة حرجة تحتاج إلى حل البرلمان والذهاب إلى التبكير في الانتخابات فهل الوضع السياسي الحالي هو كذلك؟ أبدا لا وجود لهذا المبرر نهائيا وبتوجيه السؤال لأبسط مواطن عراقي سيقول إن الوضع مستقر ولا وجود لمشاكل تتطلب حل البرلمان".
من جانب آخر يتساءل العبودي عن كيفية تمرير هذا الإجراء (الانتخابات المبكرة) تحت قبة البرلمان وإيجاد الإجماع على قرار سيضر بمصالح النواب وكتلهم السياسية؟
وتابع العبودي: "هناك واقع يفرض نفسه وهو عدم وجود القناعة السياسية للذهاب لقرار حل البرلمان والاتجاه نحو الانتخابات المبكرة. أيضا لا بد لنا من استطلاع رأي الشارع هل يؤيد في ظل الاستقرار الأمني والسياسي الحاصل أن تذهب القوى السياسية أو من يعلن عن رغبته لهذه الانتخابات؟ وهل ستكون ذات فائدة للمواطنين أم لا؟".
ويعتقد عضو تيار الحكمة أن الإجابة ستكون "بالتأكيد بالرفض لأن المواطن عاش جميع أنواع الاضطرابات السياسية والأحداث الدموية في ظل القتال على السلطة كما حدث بعد انتخابات 2021، والمواطن الذي يتحكم بصناديق الاقتراع، لن يغامر بترك حكومة خدمات المتمثلة بحكومة السوداني والذهاب إلى خيار مجهول وغير محسوب العواقب بإجراء انتخابات مبكرة".
ويعتقد العبودي أن التصريحات حول الانتخابات المبكرة "هجمة للتقليل من نجاح حكومة السوداني" وكذلك تستخدم كأوراق ضغط على بقية الشركاء للحصول على مكاسب ساسة، واستفزاز المعارضة الصامتة (التيار الصدري) الذي رفض المشاركة بالعملية السياسية، ووصف بالحكومة بـ "حكومة بني العباس".
ويقول العبودي إن قرار عودة التيار إلى السياسية هو "قرار يصدر من الحنانة (مقر إقامة الصدر في النجف، جنوب بغداد)، وليس من مكان أو طرف آخر".
وخاتمًا يؤكد العبودي أن فكرة الانتخابات المبكرة أصبحت واضحة أنها "توجه لكتلة سياسية (لم يسمها) تحاول الضغط على شركائها للاستحواذ على حجم أكبر في المناصب التنفيذية وأن تكون لها كلمة مسموعة في ظل تشكيل لجان مجالس المحافظات المعلقة لحد الآن، وأيضا محافظيها، وإشغال الرأي العام بطروحات خلافية تهدف الى دعاية انتخابية مسبقة".