ينقسم اللبنانيّون في خياراتهم انقسامًا عاموديًّا. حتى في موضوع الدخول في المحظور يبدو هذا الانقسام في أوجه اليوم. ولم يعد من الممكن الاستمرار بالوضع على ما هو عليه. من هنا تعلو الأصوات المطالبة بتغيير هذه التركيبة السياسيّة التي تعكس هذا الواقع الانقسامي؛ حتّى بانت الدولة كتلك العربة التي يجرّها حصانان باتّجاهين معاكسين.
الانقسام اليوم هو بين ثقافتين مختلفتين. وليس بين المكوّنات الحضاريّة للتركيبة الكِيانيّة اللبنانيّة. فمنذ أربعة عقود دخلت ثقافة الخمينيّة المجتمعيّة إلى قسم كبير من المكوّن الحضاري الشيعي. فتغيّرت العادات والتقاليد، أبرزها في الملبس، وحتى في اللغة حيث باتت الفارسيّة تدرّس في بعض المؤسسات والجامعات التابعة لهذا المحور. حتى طال هذا التغيير القيم التي تربّى عليها اللبنانيون معًا منذ أكثر من ألف سنة؛ بغضّ النظر عن جولات النار التي وقعت بعضهم بين بعض. فبات الموت في سبيل الله والقضايا غير اللبنانيّة- على أحقّيّتها بالنسبة إلى شعوبها- امر مبارك، تستبدل فيه الامّهات والآباء دموعهم ببسمات صفراء، وبعبارات التبريكات في النّهار أمام الملء، ويغرقون في دموعهم وصمتهم في المساء في سرّهم.
لقد دخلنا في عمق المحظور للأسباب الآتية:
1. لأنّ الانقسام الواقع بات صدعًا كيانيًّا لا يمكن رأبه.
2.
2. لأنّ الاعتراف بالاختلاف بات نقصًا في الشهامة والعنفوان والكرامة.
4.
3. لأنّ أيّ اختلاف بالرأي أو بالموقف يصبح خيانة وعمالة وأمركة وأسرلة وتخوينًا.
4. لأنّ المطالبة بتنفيذ القانون هي ضرب من ضروب الجنون.
6.
5. لأنّ التعالي على القانون والالتفاف عليه وعدم تطبيقه ومخالفته هو من أبرز صفات الرجولة والشهامة والكرامة.
6. لأنّ العدد بات أهمّ من التعدّد، والأحاديّة الحضاريّة هي أسلم من التعددية الكِيانيّة.
8.
7. لأنّ الجلوس مع العدو ومفاوضته والاعتراف بدولته في الامم المتحدة حقّ للممانعين، بينما ما زال تاريخ بعض الذين اعتبروا اللجوء يومًا إليه لدرء الخطر عنهم يصبحون عملاء، فيما مقلع العمالة معروفة بيئته.
8. لأنّ قرار الحرب والسلم محظور على الدولة
10.
9. لأنّ الشراكة في السيادة مع الدولة هي حقّ لأصحاب السلاح غير الشرعي، فيما المطالبة بسيادة الدولة هو ضرب لقوّة المقاومة فيها.
10. لأنّ العداء للدول العربية هو واجب، والتهجّم على المجتمع الدولي كرامة، والخروج من المجتمع الدولي هو شهامة.
هذا هو المحظور الحقيقي الذي بتنا في صلبه؛ عدا الاقتصاد الذي تدمّر، والتورّط في الحروب الاقليمية والدوليّة، والصيت العاطل الذي بات لصيق اللبنانيين كلّهم.
لذلك كلّه لا يمكن الاستمرار القاتل حتى الدمار الشامل. فالهيكل وقع. والشرخ وقع. ولبنان ال ١٠٤٥٢كن٢ بالصيغة الاي نعرفها وقع. الميثاق وقع. الوفاق وقع. لذلك كلّه المحظور وقع. ولا حلول في الأفق إلا بالخروج أولًا من الأتّون الذي تورّط به لبنان الدولة بكامله، وليس لبنان الشعب. وهذا الخروج لن يكون إلا بالعبور نحو قيامة الوطن كلّه.
وهذه القيامة لا يمكن أن تنتظر لحظة المرور في النهر على القاعدة الانتظاريّة الهيغليّة وحدها؛ بل يجب أن نعمل للوصول إليها بكرامة مع كلّ المؤمنين بالحرية المسؤولة، وبثقافة الحياة القِياميّة. وهذا العمل يجب أن ينطلق من الأرض ليرجِع الذين تربّعوا على العروش زورًا إلى تراب هذه الأرض.
ولا بدّ لهذه الانطلاقة أن تكون في إطارها التنظيمي المؤسساتي عبر البلديات والجمعيات الأهلية المحلية والأحزاب السياسية الفاعلة. من هنا أهميّة الانتخابات المحلية وعدم تأجيلها. حتى نستطيع الوصول إلى المومنتوم الذي يسمح بتحرير الدولة كلها.
وبعد ذلك لا بدّ من البحث في تركيبة سياسية اتّحاديّة - حياديّة لجمع المتقاسمين والمنقسمين في إطار وطني واحد بهدف الحفاظ على الفكرة اللبنانيّة. والحياد هو الذي قد يشكّل الضامن البديل عن قوة كل سلاح غير شرعي خارج إطار مؤسسات الدولة. ووحده الحياد يبطل مفعول اللجوء إلى مرجعيات إقليمية أو دوليّة. حتّى الوصول إلى ذلك كلّه ... لا سبيل أمامنا سوى في الصمود ومراكمة نتائجه حتى تقوم تلك الساعة؛ ماذا وإلا سنبقى في المحظور حتى قيام الساعة !