وجاء قرار تسمية التيار الصدري بـ"التيار الوطني الشيعي"، بعد أيام من قرار للصدر يقضي بإنهاء تجميد الكتلة الصدرية المستقيلة من البرلمان، وإعادتها إلى الاجتماع بـ"القواعد الجماهيرية"، حيث قام الصدر باختيار الاسم الجديد في خطاب رسمي حمل توقيعه وختمه، دون أي توضيح لهذا المسعى، ما ترك الباب مفتوحاً لمختلف الاحتمالات.
مغادرة "القح".. ولقاء السيستاني كان البداية
وتواصل "جسور" مع مقربين من التيّار الصدري لمعرفة تفاصيل الإعلان عن "التيّار الوطني الشيعي"، حيث يتحدث المحلل السياسي، عصام حسين، عن "إساءة حصلت في استخدام عنوان المذهب الشيعي بعد 2003، من قبل الساسة، إذ أصبح مظلة لممارسة الأعمال السياسية والاقتصادية وتضليل الجمهور والكذب/ ما جعل الجمهور يفقد الأمل بالمذهب الشيعي الذي يكثر وجوده في الجنوب، وهو ما أدى أيضاً لانتشار المخدرات والالحاد"، وفق تعبيره.
ويقول حسين إنّ "التيار الوطني الشيعي جاء نتيجة فقدان ثقة الشباب بالدين والقدوة التي تمثله، وهو يهدف إلى إثبات القدرة على الصدق مع الجماهير، ولن يقدم شخصيات سياسية أو اجتماعية ودينية تكذب على الناس بوجود وجهين لهم؛ الأول بالأخلاق والمصلحة العامة، بينما يكون الوجه الثاني امتلاك القصور والسيارات الفارهة والأموال الطائلة والأعمال الاقتصادية واستغلال النفوذ، وكل ذلك أسفر عن فوارق بين السياسي الشيعي والجمهور الذي يمثله".
وبحسب حديث حسين لـ"جسور"، فإنّ "هدف التيار الوطني الشيعي هو ردع كل تلك الممارسات من خلال إنتاج وصناعة طبقة شيعية جديدة تكون قادرة على أن تكون بمستوى وإدراك لمواجهة الأفكار السابقة والموجودة حالياً".
وأضاف حسين، أنه "يجب أن يكون هناك عمل سياسي محموم لتغيير هذه النظرة على المذهب الشيعي، والتيار الوطني الشيعي جاء لتعديل كل السيئات التي ارتكبتها السياسة بحق الدين".
ولم يكشف حسين عن أي تفاصيل بخصوص عودة التيار الصدري إلى السياسة من خلال هذا العنوان، لكنّ رئيس مركز بغداد للدراسات الإستراتيجية، والمقرب من التيار الصدري، مناف الموسوي، تحدث مغادرة التيّار لتسمية "القح"، فيما تحدث عن عودة مرتقبة بعد لقاء الصدر بالمرجع الديني الأعلى، علي السيستاني.
وادّعى الموسوي أنّ "العلم الخاص بالتيار الوطني والتسمية لها أهداف كبيرة وعابرة للانتماءات"، أذ أنّ "النشاط الذي سيتم العمل به مغاير ومختلف بجميع المجالات المعهودة للجماهير".
ويقول الموسوي لـ"جسور"، إنّ "عودة التيار الصدري للعملية السياسية خلال المرحلة المقبلة تأتي بلقاء الصدر مع المرجع الأعلى السيد علي السيستاني حيث هناك مباركة لهذا المشروع، على اعتبار أن الابتعاد عن العمل السياسي جاء بعد فتوى دينية في الفترة السابقة".
ويغيب الصدر عن المشهد السياسي منذ اشتباكات الخضراء في آب/أغسطس 2022، وذلك بعد إعلان المرجع الديني كاظم الحائري، وهو وريث المرجع الديني، محمد محمد صادق الصدر (والد مقتدى) اعتزال العمل الديني، وغلق كل المؤسسات التابعة له، فيما وجّه أتباعه بتقليد المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي.
ولم يكشف مناف الموسوي عن تفاصيل عودة التيار السياسية إن حصلت، لكنه أشار إلى أنّ "التيار ليس بحاجة لمنافسة أحد من الكتل السياسية الشيعية الموجودة ضمن الإطار التنسيقي"، معللاً ذلك بأن مرجعية السيستاني "أغلقت أبوابها منذ سنوات أمام كل قوى الإطار التنسيقي حالياً، بينما هي مفتوحة أمام الصدر".
لكنّ الأكاديمي والمختص في مجال الإعلام، غالب الدعمي، يرى أنّ إعلان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، لتأسيس "التيار الوطني الشيعي" كمشروع جديد، هو بمثابة "الاستعدادات للمرحلة المقبلة".
وقال الدعمي لـ"جسور"، إنّ "الصدر قد خرج من إطار التيار الصدري المحدد والمنتمين له، إلى اطار وطني يشمل الكل وآخر شيعي يشمل الجميع أيضاً"، مبيناً أنّ "هذا سيبعد الحرج أيضاً عمن ينتمون للتيار الصدري، أو يعملون بالقرب منه ولكن ليس لديهم انتماء رسمي له".
وقال أيضاً إنّ "التيار الوطني الشيعي قد يتوسع ليلتقي بالتيار الوطني السني، والتيار الوطني الكردي، سواء من أحزاب سياسية موجودة حالياً أو ستظهر خلال الفترة المقبلة".
"إسقاط لتمثيل الإطار للشيعة"
ويفسر رئيس مركز التفكير السياسي، وأستاذ السياسات العامة بجامعة بغداد، إحسان الشمري، إطلاق زعيم التيار لتأسيس "التيار الوطني الشيعي"، على أنه "رسالة لممازجة الانتماء الديني مع الشعور السياسي".
وقال الشمري لـ "جسور"، إن "إطلاق هذه التسمية جاء بعد إخفاق الإطار التنسيقي الشيعي وحكومته في إدارة الدولة، كما يعتبر التيار الوطني الشيعي هو إسقاط لتمثيل الإطار للشيعة ووضعهم في خانة عدم تمثيل المذهب، بل هم جزء منه بوجود أطراف أخرى قد لا تعتمد شعار الوطنية منهجاً لها".
وقال الشمري إنّ "تأسيس التيار أيضاً هو اتجاه نحو رسم مسار للحراك السياسي القادم الذي سينتقل للفضاء الوطني، كما يمثل شبه إعلان عن العودة للعملية السياسية من قبل الصدر، وجزءاً من خطوات تلك العودة القادمة وبمثابة التضييق على الإطار التنسيقي بهذه الحملة الجماهيرية".
واعتبر الشمري خطوة الصدر "جامعة للقوى والشخصيات السياسية الشيعية الرافضة لمنهج الإطار التنسيقي، وبداية لتأسيس تحالف وطني ببرنامج تنفيذي تشريعي بعيد عن التركيبة الحالية بكل شخصياتها".