في وطن تدفع أزماته المتلاحقة أبناءه إلى الهجرة القسرية، أخذت الجرأة بعضاً منهم، ليس إلى البقاء في ربوع لبنان فحسب، بل إلى ترسيخ جذورههم ودمغ اقتصاد بلدهم ببصمتهم من خلال إطلاق مبادرات تجارية عائلية أو فردية.
أكثر من عائلة تحدّت الظروف القاهرة في لبنان، من بينها عائلة الحاج من بلدة طنبوريت الجنوبية، التي كان لديها تجربة في هذا الإطار وتحديداً قطاع زيت الزيتون حيث أطلقت منذ سنة علامتها التجارية الخاصة بالزيت Olive Zeyt.
مجازفة التمسك بالأرض
"إنها مجازفة كبيرة" كما أشار الأخوة الأربعة لـ "جسور" "لكننا متمسكون بأرضنا رغم أن لكل منّا حياته المهنية المختلفة، كما نسعى من خلال هذه المبادرة إلى التأسيس لأولادنا من بعدنا".
وأضافوا "في الواقع ننتج سنوياً كميات كبيرة من زيت الزيتون البكر الممتاز الذي نفخر به، بعد أن ورثنا مساحات واسعة من شجر الزيتون غرسها جدّنا عام 1917 وقدم لها عناية واهتماماً كبيرين ليتابع والدنا قبل رحيله مسيرة أبيه".
التحديات كبيرة كما تؤكد عائلة الحاج وقرار خوض غمار تجربة مختلفة من خلال إطلاق علامة تجارية خاصة ما دونه عقبات "المبادرة لا تخلو من المصاعب والجهد وأيضاً المصاريف الكبيرة في ظل الظروف الراهنة المحيطة بنا وتدني القدرة الشرائية لدى المواطن".
وتشرح العائلة أن رحلة الزيت من الشجرة إلى المائدة باتت تكاليفه مرتفعة جداً "بدءاً باليد العاملة للقطاف مروراً بالعصر وصولاً إلى أوعية التوضيب ليضاف إليها اليوم تكاليف التسويق والإعلانات كما أسعار التوضيب بالحلة الجديدة".
لكن الاستمرارية هدفهم كما يشدّد الأخوة الأربعة على القول "وإصرارنا على النجاح لن يحده أي عائق ونحن نطمح إلى توسيع انتاجنا ليطال مشتقات أخرى من زيت الزيتون وبالجودة المعهودة لمنتجنا الأساسي".
ورغم التعب، لمس لثمار الجهود من خلال ردات فعل مشجعة للمنتج وأيضاً عبر المشاركة بجدارة في معارض على مستوى عالٍ".
تحديات حتى برّ الأمان
ومن الجنوب اللبناني إلى البقاع، وتحديداً حدث بعلبك، مبادرة أخرى مليئة بالتحديات لعائلة معلوف التي تهتم بانتاج النبيذ عبر علامتها التجارية DIVIN.
وفي هذا الإطار تحدث صاحب المبادرة فواز معلوف لـ "جسور" عن كل ما عانى منه منذ قرر الانطلاق بمشروع له ولأولاده قائلاً: "بدأت بالانتاج عام 2019 في أصعب مرحلة من تاريخ لبنان الحديث لكنني قررت المغامرة والذهاب حتى الأخير".
وشرح معلوف مراحل المشروع والتحديات "بعد أن زرعت الكروم بالعنب عام 2014 وانتظرت خمس سنوات ليكبر وينضج، بدأت أولى الأزمات تعصف بلبنان عام 2019 فخسرت بداية في المصارف اللبنانية أموالي التي جنيتها خلال سنوات عملي في الخارج ما ضاعف التحدي بالنسبة إليّ".
واستمرت الأزمات تلاحقه كما أضاف "أما يوم 4 أغسطس/آب 2020، وصلت أول شحنة معدات من الخارج لكنها ضاعت عقب انفجار المرفأ ولم أجدها سوى بالصدفة بعد شهرين أو ثلاثة".
عقبات أخرى يواجهها في الوقت الراهن معلوف "السوق في لبنان تغيّر كما أن اختراقه صعب نظراً لوجود منافسة كبيرة في هذا القطاع إضافة إلى صعوبة فتح اعتمادات بالفريش دولار لشراء المعدات من الخارج".
لكن "العودة الى الوراء لم تكن مسموحة رغم الاشارات السلبية" يعلن صاحب المبادرة العائلية "لدينا كرم كبير ونوعية عنب ممتازة جاءت بفضل تجارب وخبرة واسعة بالتالي كان لا بد من المتابعة وقررت تمويل المبادرة من خلال عملي المستمر في الخارج".
واليوم يؤكد معلوف "بعد أن ثابرنا كعائلة وصبرنا، أطلقنا علامتنا التجارية كما نسعى للتصدير إلى الخارج ونشارك في معارض عالمية". ويشدد على أن المجازفة لم تنتهِ لكنه مصمم على "إيصال المشروع إلى برّ الأمان".
عدد كبير من اللبنانيين لم يفقدوا الأمل نهائياً بوطنهم، ويتابعون شق طريقهم عبر مبادرات مختلفة رغم العثرات عسى وطنهم يكافئهم يوماً من خلال إرساء الأمان والظروف المواتية للنجاح.