أزمة سياسية حادة يعانيها البيت السني بشأن اختيار بديل للمُقال محمد الحلبوسي لتولي منصب رئيس البرلمان العراقي، وتشير مصادر سياسية إلى أن أي محادثات حول اختيار رئيس جديد للبرلمان، خلفًا للحلبوسي، تواجه تحديات كبيرة بانتظار قرار الاتحادية بخصوص شرعية الجلسة التي تم فيها ترشيح النائب شعلان الكريم، عن تحالف "تقدم"، وسط تأكيدات على أن القرار لن يكون قريباً بخاصة بعد أنّ أجّلت المحكمة الاتحادية البت بدعوى إلغاء جلسة انتخاب رئيس البرلمان الى 1 أبريل/ نيسان، ما يعني أنّ الوضع السياسي يبدو معقداً ومتأزماً، مما يزيد من التوتر والحيرة في الأوساط السياسية في البلاد.
وتسلّمت المحكمة الاتحادية العليا، منتصف يناير/ كانون الثاني المنصرم، دعوى ببطلان ترشيح شعلان الكريم لمنصب رئيس البرلمان العراقي على خلفية انتشار تسجيل سابق له اعتُبر، من قبل أطراف سياسية، "تمجيداً" للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وهي تهمة في حال ثبوتها تعني رفع الحصانة عنه وإحالته للقضاء وفقاً للقانون المعمول به عراقياً والمعروف باسم "اجتثاث البعث". وقدّم الدعوى يومها النائبان يوسف الكلابي وفالح الخزعلي، وتضمنت طلباً بإصدار أمر ولائي بإيقاف جلسة الانتخاب لحين حسم الدعوى.
وأكدت كتلة دولة القانون البرلمانية أن جميع القوى السياسية تنتظر قرار المحكمة الاتحادية لحسم ملف اختيار رئيس جديد للبرلمان، مضيفة أن قرار المحكمة سيصنع خيارات أكثر وضوحاً في تحديد بوصلة المجلس وأي طريق سيسلك.
في السياق قال نواب في البرلمان إن المفاوضات بين القوى السياسية متوقفة بشكل نهائي منذ قرابة شهر ولا يوجد أي مرشح جديد لرئاسة البرلمان، وأن القوى السياسية متمسكة بمرشحيها السابقين.
إنقسام البيت السني
مصادر متابعة لهذا الملف تقول لـ"جسور" إنّ الخلافات السياسية لها دور في عدم انتخاب رئيس لمجلس النواب، ولكن السبب الرئيسي لهذا التأخير يعود للشكاوى الأربعة المقدّمة للمحكمة الإتحادية بخصوص جلسة الثالث عشر من كانون الثاني المنصرم، بحجة أن الجلسة كانت غير قانونية وأن المرشح الفائز في الجولة الأولى من التصويت) شعلان الكريم (لا يصلح لهذا المنصب، مبينة أنه إذا حكمت المحكمة بعدم قانونية تلك الجلسة، فإنه لا بد من إعادة الترشيح، وبالتالي أسماء جديدة تترشّح لمنصب رئيس مجلس النواب، أما إذا حكمت بقانونية الجلسة ففي تلك الحالة سنمضي في الجولة الثانية للتصويت ونكمل ما بدأناه في الجلسة الأولى في 13 من يناير/ كانون الثاني الماضي.
في المقابل، رأى رئيس مركز التفكير السياسي، الدكتور إحسان الشمري، أنّ الأمر مرتبط بقرار من المحكمة الإتحادية على اعتبار أنّ هناك إشكال قانوني يتمثّل في شرعية عقد الجلسة بخاصة وأنّ الدستور نصّ على أن يكون هناك اختيار لرئيس برلمان جديد، لافتا لـ "جسور" إلى أنّ هذا التعطيل ساهم بشكل كبير جداً بانخراط القوى والأطراف السياسية بالنقاشات فيما بينها.
وتابع: "الوصول إلى اتفاق ما بين القوى السنيّة المعنية عرفاً باختيار رئيس جديد للبرلمان العراقي، بخاصة وأن المكوّن السياسي السني منقسم بشكل كبير، هذا بطبيعة الحال أثّر على عملية الإختيار من جانب، ومن جانب آخر جزء من عوامل تأخير المحكمة الإتحادية لقرارها يعود لأسباب عدة منها الصراع الدائر بشأن الزعامة السنيّة على اعتبار أن من يكون رئيساً للبرلمان يتيح له هذا المنصب، أضف إلى ذلك طبيعة الخلافات ما بين تحالف السيادة ما بين "خميس الخنجر" من جهة و"تقدم" من جهة أخرى، أضف إلى ذلك الإصطفافات الغير تقليدية، كالتي شهدناها أخيراً داخل القوى السنية وامتد هذا الإصطفاف نحو قوى سياسية أخرى، وأيضا تدخّل الإطار التنسيقي في عملية فرض معاجلة سياسية معينة أخرّ بشكل كبير الوصول إلى توافق بشأن منصب رئيس البرلمان.
وأوضح الشمري، أنّ منصب رئيس البرلمان دخل في نقطة تجاذب بين دول تحاول قدر المستطاع أن تستقطب هذا المنصب، وهذا آخّر بشكل كبير على عملية الإختيار، مشيراً إلى أنّ هذه التدخلات الخارجية هي من ساهمت أيضا بتعطيل هذا الجانب، ويبدو أن هناك رأي داخل الإطار التنسيقي يمضي تجاه إحكام سيطرته على رئاسة البرلمان حتى بالإنابة، وتأخير عملية اختيار رئيس برلمان جديد وهذا يصبّ لصالحهم على مستوى السيطرة على السلطتين التنفيذية والتشريعية.
آلية انتخاب رئيس البرلمان الجديد
من جهته، فصّل الخبير القانوني علي التميمي، آلية انتخاب رئيس البرلمان الجديد وفق الدستور العراقي
وقال التميمي لـ "جسور"، إن "المادة 55 من الدستور نصّت على أن (مجلس النواب ينتخب في أول جلسة رئيساً له بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء أي نصف العدد الكلي زائد واحد)، وهو ما أكدته المادة 12 /3 من نظام مجلس النواب رقم 1 لسنة 2022 وتدار الجلسة من قبل النائب الأول".
وأضاف الخبير القانوني "يتم فتح باب الترشيح من قبل رئيس الجلسة أي النائب الأول ثم تبدأ عملية الإقتراع السري المباشر من النواب بالتصويت بالأوراق وفرز الأصوات على اللوحة ثم الذي يحصل من بين المرشحين على أعلى الأصوات ونسبة نصف العدد زائد واحد يكون رئيساً للبرلمان ويؤدي اليمين الدستورية أمام البرلمان وفق المادة 50 من الدستور العراقي".
وأكد التميمي أن "الجلسة تفتتح بحضور نصف العدد الكلي زائد واحد وفق المادة 59 من الدستور العراقي، ولم يعالج الدستور ولا نظام مجلس النواب الداخلي حالة تساوي الأصوات أو في حالة عدم حصول أي من المرشحين على النسبة المطلوبة".
ولفت الى أن "المادة 55 من الدستور أوجبت أن يتم انتخاب الرئيس للبرلمان في الجلسة الأولى"، مستدركا "لكن نلاحظ عدم حصول ذلك في كل الدورات السابقة بسبب عدم حصول التوافق، ويتم تكرار الجلسات المخالف للدستور وتكرار التبرير في رفع الجلسات لعدم تحقق النصاب القانوني المطلوب نصف العدد الكلي زائد واحد".
وأشار الى أن "المادة 55 من الدستور العراقي ليست مادة تنظيمية بل حتمية لكنها لم تقترن بالجزاء، وهذا يتيح حق الطعن أمام المحكمة الاتحادية العليا في حالة مخالفة النص الوارد فيها".
وبشأن تعويض النواب المستبعدين وفق قرار المحكمة الاتحادية رقم 9 لسنة 2023، بيّن التميمي أنه "يكون بموجب المادة 15 من قانون انتخابات مجلس النواب 9 لسنة 2020 وفق قاعدة أفضل الخاسرين في الدائرة الانتخابية حيث يفاتح البرلمان مفوضية الانتخابات لمعرفة ذلك".
وأوضح الخبير القانوني "أما فيما يتعلق بأن الجلسة الإستثنائية الواردة في المادة 58 من الدستور التي عقدت بموجبها جلسة البرلمان هي بمثابة الجلسة العادية أم أنها خارج هذا المفهوم؟، تختلف وجهات النظر في ذلك وأن كنت أراها جلسة عادية لأن نص المادة 55 من الدستور جاءت مطلقة والمطلقات يسري على إطلاقه ما لم يأتي شيء يقيده وهي غير مقيدة بأي نص".
وأخفق البرلمان العراقي في أربع محاولات لانتخاب بديل للحلبوسي بسبب عدم التوافق على مرشح واحد، حيث تواصل الكتل العربية السُنّية الثلاث، "تقدم" و"السيادة" و"العزم"، التمسك بمرشحيها وهم: شعلان الكريم، سالم العيساوي ومحمود المشهداني.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قضت، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بإنهاء عضوية الحلبوسي على خلفية دعوى قضائية كان رفعها أحد البرلمانيين واتهمه فيها بتزوير استقالته من البرلمان. ومنذ ذلك الوقت اندلعت خلافات بين القوى السياسية المختلفة بشأن اختيار بديل للحلبوسي.