بعد مقتل منسق حزب القوات اللبنانية في منطقة جبيل (شمال لبنان) باسكال سليمان، كتب الروائي اللبناني عمر سعيد رسالة، جاء فيها:
إلى روح رفيقي باسكال سليمان
هي أيّام وتمضي..
ليظن أبناؤك والأمّ أنّهم دفنوك، وقد عادوا إلى البيت، لأنّ القبر لا يتسع لسواك.
وحذاري أن تتخيّل أطفالاً دفنوا أباهم، ولا زوجة دفنت زوجها، لئلّا تنهار حيث ينبغي عليك القيامة.
ولأنهّم مسيحيون؛ سيردّدون لا إرادياً: المسيح قام.. حقاً قام.
وستنهض أمّهم على سعي منها، عسى أن تخفّف لوعة الفقد عن تلك القلوب الصّغيرة.
وستضطرّ إلى كثير من الإنجيل والصّلاة، وكثير من الأمل، والمثل العليا والقيم..
فأحدهم عليه أن ينجز امتحاناً، وآخر عليه أن يستعد لمرحلة انتقالية، وثالث لا بد أن يتعلّم كيف يسير فوق حد الوجع.
وستكتم كلّ نحيبها وصراخها الداخلي، وتضطّر لأن تبتسم، وأن تكثر من صورك المشرقة بطلّتك المحبّبة على جدران البيت وفي كلّ مكان.
وستحدّثهم عنك في مكانك الآن، وكيف تشتاقهم من السّماء.
وسيأوي كلّ منهم إلى فراشه..
عندها عليك أن تفعل القيامة.
عليك أن تقوم.. وحقّاً قم كما فعل المسيح.. فكيف لأطفال وأمّهم أن يناموا وربّ البيت في قبر..
يا رفيقي يمكن للأبناء أن يموتوا وتستمر الحياة..
لكن ليس بوسع الآباء أن يموتوا.. وإن فعلوا؛ يموت كلّ شيء.
فانهض.. وقم.. ودعهم يرونك بينهم في مقعدك؛ إذا جلسوا لتناول الفطور.
ثمّ قُدْ سيّارتك، وصِلْ بهم إلى مدارسهم، ولوح لهم من الشبّاك بكفك التي ناولتهم بها الكثير من الحب.
وإذا رنّت هواتفهم؛ فلينبعث صوتك: "أي بابا"..
ولتكمل طريقك إلى القلب.
وحين يُقرع جرس الباب كُن أنت الداخل، وحذاري أن تتركهم يخافون من طارق أتى؛ يهدد حلمهم المأمول.
ولا تنس أن تكثر من عطرك، ليظل منك شيء في غرفة النّوم، وفي المجلس والممرّ والحمام والحديقة وعلى مقابض الأبواب.
وحين تنهض أمّهم، لتمسح عن وجهك الغبار في صور المنزل؛ اطلع من الصورة، وافتح لها ذراعيك، فتتسع الروح لصبرها..
فأشد النّساء حزناً امرأة اضطرتها الحياة لأن تكون في النهار أباً، وأمّا في المساء.
حاصرهم بقيامتك.. فلا شيء يأتي بغدٍ الأبناء كما تفعل قيامة الآباء.
ولا تنس أن تخبر الله بأن الظّالمين حين عجزوا عن النّيل من الرّجال، قرروا أن ينالوا من الأطفال والنّساء..
لذا راحوا يقتلون الآباء.