وتضم ناحية بني سعد المعروفة محلياً باسم (خان بني سعد) أكبر مدينة صناعية في شرق العراق، لكن 10 معامل فقط مفتوحة من بين أكثر من 260 معملاً.
السعدي، وهو رجل سبعيني، يستذكر نشاط المدينة الصناعية في حديثه مع "جسور"، قائلاً: "ربما لا يصدق البعض بأن هذه المعامل والمصانع كانت تنتج على الأقل قرابة 60 مادة للأسواق والمعامل الأخرى، بين عقود السبعينيات والثمانينيات وصولاً إلى التسعينيات، حيث كانت في أوج نشاطها".
ويقول السعدي إن "عدد العمال ربما يصل إلى 5 آلاف أو أكثر، بينهم مصريون كثر خاصة في عقد الثمانينيات"، لافتاً إلى أن "هذه المدينة الصناعية كانت عنواناً لمعنى الصناعة و95% من معاملها قطاع خاص".
والإهمال لـ"قطاع الصناعة وعدم وجود أي دعم حكومي للقطاع الخاص وغزو المستورد، فضلًا عن الاضطرابات الأمنية، هذه كلها عوامل كانت بمثابة الرصاصة الأخيرة التي انهت واقع المدينة الصناعية في بني سعد"، بحسب ما يراه السعدي.
لم يبق إلا حارس بأجر زهيد
أما حيدر الجبوري، وهو نجل صاحب معمل للمواد البلاستيكية لأكثر من 40 سنة، يقول لـ"جسور"، إنّ "خطوط المعمل تحولت إلى خردة، بعد توقف دام 15 سنة. وهذا واقع بقية المعامل الأخرى القريبة".
ويوضح الجبوري أنّ "ديالى تضم عشرات المعامل والمصانع للقطاع الخاص التي كانت مشهورة بإنتاجها للمواد المتنوعة، وهي مصدر رزق لعدد ليس بالقليل"، مبيناً أنّ معمل أبيه فقط "كان يؤمن حياة أكثر من 60 عاملاً، لكن اليوم لم يبقَ منهم سوى الحارس الذي استمر في مهنته رغم كبر سنه ومرتبه الشهري الزهيد".
رئيس اتحاد نقابات العمال في ديالى ثائر السلطان، بدوره يشير إلى أن "واقع المدينة الصناعية في خان بني سعد هو شاهد على مرارة المشهد بشكل عام في البلاد مع خسارتنا لآلاف المصانع والورش سواء للقطاع الخاص أو العام".
وخلال حديثه مع "جسور"، فإنّ السلطان يعتقد أن "الخسارة الأبرز ليس الآلات، بل المهارة والخبرة التي يكون تعويضها صعباً".
ويصف السلطان واقع العمال في يومهم العالمي بانه "صعب ومعقد، لأنهم "لم يحصلوا على أبسط حقوقهم، ناهيك عن بيئة العمل الخطيرة والتي يضطرون للعمل بها من أجل رغيف الخبز".
الرمق الأخير
ويحذر السلطان من أن "الصناعة بمحافظة ديالى في رمقها الأخير، ولم يبقَ سوى معامل معدودة بعدما توقفت أغلبها وتحولت خطوطها الإنتاجية إلى خردة حديد" معتبراً أنّ "دعم الصناعة لا تزال مجرد شعارات، وننتظر قوانين حقيقية تعطي مرونة وقوة للإنتاج الوطني".
ويكمل السعدي بأن "يوم العمال العالمي في صورته الحالية ضبابي مع كثرة الوعود"، مستدركاً بالقول: "لكن الأهم أن يدرك قادة القرار العراقي أنه لا أمل لهذه البلاد في تجاوز الصعاب من دون تنمية صناعية تقلص اعتمادنا على الاستيراد بنسبة تصل إلى 97% على الأقل بالوقت الحالي".
وعود وشعارات بلا جدوى
من جانبه، يوضح مدير ناحية بني سعد نجم السعدي، أن "المدينة الصناعية كانت نقطة نشاط اقتصادي نظراً لما توفر من فرص عمل متنوعة للشباب ليس في الناحية، بل مناطق أخرى ولسنوات طويلة".
ويبين الجبوري، لـ "جسور"، أن "من 90-95% من معامل المدينة الصناعية وورشها متوقف عن العمل الآن".
"كانت هناك فرحة بعودة بعض هذه المعامل والورش إلى العمل مع جهود دعم الصناعة الوطنية، لكنها سرعان ما توقفت بسب فرق الأسعار وعدم وجود دعم حقيقي، بالإضافة إلى تقادم خطوطها الإنتاجية"، وفقاً للجبوري.
سيناريو ممنهج
أما النائب مضر الكروي، فيرى أن "واقع الصناعة في ديالى لا يقل مرارة عن بقية المصانع في ظل وجود من 12-14 ألف مصنع للقطاعين العام والخاص متوقفة عن العمل في العراق".
ويقول إنّ "الصناعة تتعرض إلى سيناريو ممنهج يدفع أي محاولات لإنعاشها نحو الفشل"، عازياً ذلك إلى أن "مليارات الدولار تذهب إلى دول من أجل إدامة إنتاج مصانعها وتصدير ما تنتجه إلى العراق. وهذا ما يفسر إغراق الأسواق بالمستورد".
ويشير الكروي إلى أنه "في ظل واقع سياسي يعتمد التوافقية وبدون خارطة طريق عراقية لإنقاذ الصناعة ستبقى خان بني سعد وغيرها من المدن صامتة إلى أجل غير معلوم".