أشرف الشاب ثناء الله غفاري (29 عاما)، زعيم تنظيم داعش-ولاية خراسان، على عملية تحوّل جعلت من هذا الفرع الأفغاني أحد أكثر فروع الشبكة العالمية لتنظيم داعش الإرهابي إثارة للرعب وقدرة على تنفيذ عمليات بعيدة من قواعده في المناطق الحدودية بأفغانستان.
فقد أثار الهجوم الذي تبناه "داعش خراسان" وأودى بحياة 137 شخصاً في قاعة للحفلات الموسيقية في موسكو، مخاوف غربية واسعة من موجة جديدة من العمليات الإرهابية، وسط سعي لتشديد الإجراءات الأمنية، وتنشيط أجهزة الاستخبارات لجهودها في ردع تلك الخطط.
تلك المخاوف عبّر عنها صراحة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قال إن جماعة "داعش خراسان" التي تقف وراء إطلاق النار في موسكو حاولت أيضا ارتكاب عدة أفعال في فرنسا في الآونة الأخيرة.
من هو "داعش خراسان"؟
داعش خراسان، الذي يعرف باسم (ISIS-K)، هو فرع للتنظيم الإرهابي الذي ظهر للمرة الأولى في سوريا والعراق. وفي حين أن المنتسبين يشتركون في أيديولوجية وتكتيكات، فإن عمق علاقتهم فيما يتعلق بالتنظيم والقيادة والسيطرة، لم يتم تحديده بالكامل.
ويأتي اسم التنظيم "خراسان"، نسبة إلى اسم قديم للمنطقة التي تشمل أفغانستان وباكستان.
وظهر "داعش" في منطقة خراسان بأفغانستان، حيث تأسّس عام 2015 على يد أعضاء سابقين في حركة طالبان الباكستانية.
وكرّس التنظيم وجوده على ساحة الإرهاب الدولية، بعد أن أطاحت حركة طالبان بالحكومة الأفغانية عام 2021. ومنذ ذلك الحين، تقاتل حركة طالبان تنظيم "داعش-خراسان" في أفغانستان.
ونقل تقرير سابق لشبكة "سي إن إن" الأميركية، عن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية، أن فرع تنظيم داعش خراسان يضم "عدداً صغيراً من المتطرفين السابقين من سوريا، وغيرهم من المقاتلين الإرهابيين الأجانب".
وأشار المسؤولون إلى أن الولايات المتحدة "حدّدت ما بين 10 إلى 15 من كبار العناصر (بداعش خراسان) في أفغانستان".
نهج متشدد وهجمات كبيرة
وعُين غفاري أميرًا لتنظيم داعش-ولاية خراسان في عام 2020، وعزز غفاري سمعة التنظيم في تبنيه لنهج متشدد وتنفيذه لهجمات كبيرة.
وجذب داعش-ولاية خراسان الاهتمام العالمي بتفجير انتحاري في عام 2021 في مطار كابل الدولي أثناء الانسحاب العسكري الأميركي أدى إلى مقتل 13 جنديا أميركيا وعشرات المدنيين. وفي سبتمبر 2022، أعلن مسؤوليته عن هجوم انتحاري على السفارة الروسية في كابل أسفر عن سقوط قتلى.
لكن ربما وقعت العملية الأكثر جسارة حتى الآن في يناير/ كانون الثاني بتفجير انتحاري مزدوج في إيران أدى إلى مقتل نحو 100 شخص أثناء تأبين قائد الحرس الثوري قاسم سليماني بالقرب من قبره في أكثر الهجمات دموية على الأراضي الإيرانية منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
ولم يكن يُعرف سوى القليل عن غفاري قبل الهجوم على مطار كابل عام 2021، مما دفع واشنطن إلى إعلان مكافأة قيمتها عشرة ملايين دولار لمن يأتي برأسه. وقالت مصادر من طالبان إنه أفغاني طاجيكي كان جنديا في الجيش الأفغاني وانضم لاحقا إلى تنظيم داعش-ولاية خراسان الذي تشكل في أواخر عام 2014.
وتحدثت "رويترز" إلى أكثر من 12 مصدرا، من بينهم مسؤولو أمن ومخابرات حاليون ومتقاعدون في أفغانستان وباكستان والعراق والولايات المتحدة، بالإضافة إلى أعضاء من حركة طالبان الأفغانية والباكستانية الذين قالوا إن تنظيم داعش استغل عدم قدرة طالبان على القضاء على قواعده الآمنة في شمال وشرق أفغانستان للتوسع إقليميا.
لماذا يهاجمون روسيا؟
رغم أن الهجوم الذي نفذه "داعش - ولاية خراسان" في روسيا يمثل تصعيداً كبيراً، فإن خبراء قالوا إن التنظيم عارض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السنوات القليلة الماضية.
وقال كولين كلارك من مركز "سوفان"، وهو مجموعة بحثية مقرها واشنطن: "ركّز تنظيم "داعش - ولاية خراسان" اهتمامه على روسيا على مدى العامين الماضيين وتضمنت دعايته مراراً انتقاداً لبوتين".
وقال مايكل كوغلمان من مركز "ويلسون" الذي مقره واشنطن، إن "داعش - ولاية خراسان"، "يرى أن روسيا متواطئة في أنشطة تضطهد المسلمين باستمرا".
وأضاف أن التنظيم يضم أيضاً بين أعضائه عدداً من المسلحين القادمين من آسيا الوسطى الذين لديهم مظالمهم الخاصة حيال موسكو.
وفي السنوات القليلة الماضية، دأب تنظيم غفاري على مهاجمة روسيا ردًا على تدخلها الذي ساعد في إلحاق الهزيمة بعمليات تنظيم داعش في الحرب الأهلية السورية.
"خلايا نائمة" في أوروبا
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن تقرير للأمم المتحدة، أن "بعض الأفراد من شمال القوقاز وآسيا الوسطى الذين يسافرون من أفغانستان أو أوكرانيا باتجاه أوروبا، يمثلون فرصة لتنظيم داعش-خراسان، الذي يسعى إلى شن هجمات عنيفة في الغرب".
وخلص التقرير إلى وجود "أدلة على مؤامرات عملياتية حالية وغير مكتملة، على الأراضي الأوروبية، نفذها تنظيم داعش خراسان".
وحدّد مسؤول استخباراتي غربي كبير، وفق نيويورك تايمز، 3 دوافع رئيسية يمكن أن تلهم عناصر "داعش خراسان" للهجوم، هي "وجود خلايا نائمة في أوروبا، وصور الحرب في غزة، والدعم الذي يتلقونه من الناطقين بالروسية الذين يعيشون في أوروبا".
ووفق الصحيفة، فإن أحد أهم الأحداث الكبرى هذا الصيف في فرنسا يثير قلق العديد من مسؤولي مكافحة الإرهاب، إذ يقول إدموند فيتون براون، المسؤول السابق عن مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة، الذي يعمل مستشارا لمشروع مكافحة التطرف: "أنا قلق بشأن دورة الألعاب الأولمبية في باريس"، لافتا إلى أنها "ستكون هدفا إرهابيا ممتازا".