منذ أكثر من شهر، الحكومة اللبنانيّة غير قادرة على الاجتماع بسبب تعطيل الثنائي الشيعي جلساتها، اجتجاجًا على أداء المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار واستدعائه عددًا من الوزراء التابعين لـ"حزب الله" و"حركة أمل".
في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اجتمع الرؤساء الثلاثة اللبنانيّون ميشال عون ونجيب ميقاتي ونبيه برّي في قصر بعبدا لمناقشة الأزمة الحكومية. يومها اتّفق الرؤساء الثلاثة على ضرورة كف يد القاضي من خلال اللجوء إلى المجلس النيابيّ لإحالة التحقيق مع الوزراء المدّعى عليهم إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
ذلك بعدما لم يتمكّن كارهو البيطار من تنحيته، لا عبر الشارع من خلال تنظيم تحرّكات تُطالب بإقالته من منصبه، ولا من خلال محاولة خرق صفوف أهالي الضحايا، ولا أيضًا قضائيًّا من خلال طلبات ردّ قدّمها المدّعى عليهم بحق البيطار.
الحزب والتيار
قبل أيّام أعلنها حزب الله بوضوح عبر كلمة ألقاها النائب حسن فضل الله، توجّه فيها إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قائلًا: "نحن نريد عودة انعقاد جلسات الحكومة، والقيّمون على الحكومة يدركون أنّ الحل الأسرع واضح ومفهوم". بصريح العبارة يقول حزب الله مجدّدًا: "لا حكومة ما دام البيطار موجودًا".
كلام حزب الله لم يكن محبَّبًا حتّى على مسامع حليفه الأبرز التيّار الوطني الحر، إذ أعلن تكتّل "لبنان القوي" رفضه شلَّ البلد والحكومة للضغط على قاضٍ.
مصادر التيار الوطني الحر تقول لـ"جسور"، إنّ لديه ملاحظات على أداء القاضي البيطار لكن ليس بتعطيل الحكومة تُعالَج المواضيع. وتشدّد مصادر "التيّار" على فكرة أنّه لو كانت المواجهة مع حزب الله مُجدية لكان الجميع لجأ إليها، لكن اليوم ما من بديل عن الحوار والتفاهم المشترك.
لكن يبدو أنّ التفاهم وصل إلى حائط مسدود، فأعلن عضو تكتل "لبنان القوي" النائب آلان عون، خلال مقابلة تلفزيونية، أن أداء حزب الله لم يعد مقبولًا، مضيفًا "لم نعد ندرك ماذا يريد حزب الله". وامتعض عون من فكرة أنّ قبع القاضي البيطار في هذا التوقيت بالذات لا يعني أنّ الحزب يتدخّل بالقضاء فحسب بل أنّه يريد إجهاض التّحقيقات بأكملها.
محاولة إلغاء؟
رئيس الجمهوريّة أعلن بدوره ضرورة انعقاد الحكومة بمن حضر حتّى ولو بقي المعطّلون على رأيهم، من منطلق أنّ هناك استحقاقات لا يمكن أن تنتظر. ولكن دعوة عون قد لا تكون مجدية إن تسلّح الثنائي الشيعي بالفقرة "ياء" من الدستور، التي تنص على ألّا شرعيّة لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. ويسري مفعول هذه الفقرة في حال غاب مكوّن كامل عن جلسات الحكومة وبالتالي تفقد الحكومة ميثاقيّتها.
الاختلاف لا يقتصر على الشّق المرتبط بتدخّل السياسة بالقضاء، بل انسحب أيضًا إلى تصريح نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم حين توجّه إلى اللّبنانيّين مخيّرًا إيّاهم ما بين تأييد المقاومة أو البحث عن خيار آخر.
منتقدو هذا التّصريح حذّروا من أنّه ليس تفصيلًا يمكن غض النظر عنه، بل هو نقطة فكرية جوهرية تُدخل إلى الحيّز السياسي أسلوبًا جديدًا ممتلئًا برسائل مبطنة سواء للخصوم أو للأطراف. وكذلك يحتوي على ترهيب غير مباشر عبر توجيه تهديد يُختصر بجملة: لا مكان في هذا الوطن لمن يتجرّأ على مخاصمتنا.
مصادر التيّار الوطني الحر تشدّد على أن تصريحًا كهذا لا يمثّل التيار بل يعكس محاولة إلغاء الآخر وفرض نهج سياسي أحاديّ في البلاد في وقت يتغنّى لبنان بتنوّعه.
تفاهم مار مخايل
في 6 فبراير/شباط 2006، وُلدَ ما عُرف بتفاهم مار مخايل بين حزب الله ورئيس التيّار الوطني الحر آنذاك (رئيس الجمهوريّة اللّبناني الحالي) ميشال عون. ولكن في الآونة الأخير ارتفعت حدّة الاختلافات، حتّى بات هناك تناقض واضح في المواقف والآراء. هذا ما لا ينكره التيّار الوطنيّ الحر، بل يرى أنّ تفاهم مار مخايل يحتاج إلى مراجعة، منعًا لمزيد من الاختلافات الحادّة، ولكن هل التفاهم في حاجة إلى مراجعة أم إلى التراجع عنه؟
يعتبر التيّار أنّ ما من مصلحة أحد الرّجوع عن هذا النّوع من التفاهم حفاظًا على السّلم الأهلي في البلاد.
اللّافت أنّ في الكثير من القضايا الجوهريّة في لبنان، باتت آراء التيّار متناغمة مع خصومه أكثر ممّا هي منسجمة مع حليفه. إنّه واقع يفرض نفسه على خارطة العلاقة السياسيّة بين الحليفين.
حتّى السّاعة لا شك أنّ الاختلاف بينهما واضح، ولكنّهما أمام خيارين لا ثالث لهما. إمّا الرّضوخ للأمر الواقع والاعتراف بأن الزمن ولى على تفاهمها، وإما المحافظة على التفاهم صوريًّا كضمانة مستقبليّة في حال احتاج أحدُهما إلى الآخر في وقت الضيق خصوصًا وأنّ المرحلة المقبلة حافلة بالاستحقاقات.
في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اجتمع الرؤساء الثلاثة اللبنانيّون ميشال عون ونجيب ميقاتي ونبيه برّي في قصر بعبدا لمناقشة الأزمة الحكومية. يومها اتّفق الرؤساء الثلاثة على ضرورة كف يد القاضي من خلال اللجوء إلى المجلس النيابيّ لإحالة التحقيق مع الوزراء المدّعى عليهم إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
ذلك بعدما لم يتمكّن كارهو البيطار من تنحيته، لا عبر الشارع من خلال تنظيم تحرّكات تُطالب بإقالته من منصبه، ولا من خلال محاولة خرق صفوف أهالي الضحايا، ولا أيضًا قضائيًّا من خلال طلبات ردّ قدّمها المدّعى عليهم بحق البيطار.
الحزب والتيار
قبل أيّام أعلنها حزب الله بوضوح عبر كلمة ألقاها النائب حسن فضل الله، توجّه فيها إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قائلًا: "نحن نريد عودة انعقاد جلسات الحكومة، والقيّمون على الحكومة يدركون أنّ الحل الأسرع واضح ومفهوم". بصريح العبارة يقول حزب الله مجدّدًا: "لا حكومة ما دام البيطار موجودًا".
كلام حزب الله لم يكن محبَّبًا حتّى على مسامع حليفه الأبرز التيّار الوطني الحر، إذ أعلن تكتّل "لبنان القوي" رفضه شلَّ البلد والحكومة للضغط على قاضٍ.
مصادر التيار الوطني الحر تقول لـ"جسور"، إنّ لديه ملاحظات على أداء القاضي البيطار لكن ليس بتعطيل الحكومة تُعالَج المواضيع. وتشدّد مصادر "التيّار" على فكرة أنّه لو كانت المواجهة مع حزب الله مُجدية لكان الجميع لجأ إليها، لكن اليوم ما من بديل عن الحوار والتفاهم المشترك.
لكن يبدو أنّ التفاهم وصل إلى حائط مسدود، فأعلن عضو تكتل "لبنان القوي" النائب آلان عون، خلال مقابلة تلفزيونية، أن أداء حزب الله لم يعد مقبولًا، مضيفًا "لم نعد ندرك ماذا يريد حزب الله". وامتعض عون من فكرة أنّ قبع القاضي البيطار في هذا التوقيت بالذات لا يعني أنّ الحزب يتدخّل بالقضاء فحسب بل أنّه يريد إجهاض التّحقيقات بأكملها.
محاولة إلغاء؟
رئيس الجمهوريّة أعلن بدوره ضرورة انعقاد الحكومة بمن حضر حتّى ولو بقي المعطّلون على رأيهم، من منطلق أنّ هناك استحقاقات لا يمكن أن تنتظر. ولكن دعوة عون قد لا تكون مجدية إن تسلّح الثنائي الشيعي بالفقرة "ياء" من الدستور، التي تنص على ألّا شرعيّة لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. ويسري مفعول هذه الفقرة في حال غاب مكوّن كامل عن جلسات الحكومة وبالتالي تفقد الحكومة ميثاقيّتها.
الاختلاف لا يقتصر على الشّق المرتبط بتدخّل السياسة بالقضاء، بل انسحب أيضًا إلى تصريح نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم حين توجّه إلى اللّبنانيّين مخيّرًا إيّاهم ما بين تأييد المقاومة أو البحث عن خيار آخر.
منتقدو هذا التّصريح حذّروا من أنّه ليس تفصيلًا يمكن غض النظر عنه، بل هو نقطة فكرية جوهرية تُدخل إلى الحيّز السياسي أسلوبًا جديدًا ممتلئًا برسائل مبطنة سواء للخصوم أو للأطراف. وكذلك يحتوي على ترهيب غير مباشر عبر توجيه تهديد يُختصر بجملة: لا مكان في هذا الوطن لمن يتجرّأ على مخاصمتنا.
مصادر التيّار الوطني الحر تشدّد على أن تصريحًا كهذا لا يمثّل التيار بل يعكس محاولة إلغاء الآخر وفرض نهج سياسي أحاديّ في البلاد في وقت يتغنّى لبنان بتنوّعه.
تفاهم مار مخايل
في 6 فبراير/شباط 2006، وُلدَ ما عُرف بتفاهم مار مخايل بين حزب الله ورئيس التيّار الوطني الحر آنذاك (رئيس الجمهوريّة اللّبناني الحالي) ميشال عون. ولكن في الآونة الأخير ارتفعت حدّة الاختلافات، حتّى بات هناك تناقض واضح في المواقف والآراء. هذا ما لا ينكره التيّار الوطنيّ الحر، بل يرى أنّ تفاهم مار مخايل يحتاج إلى مراجعة، منعًا لمزيد من الاختلافات الحادّة، ولكن هل التفاهم في حاجة إلى مراجعة أم إلى التراجع عنه؟
يعتبر التيّار أنّ ما من مصلحة أحد الرّجوع عن هذا النّوع من التفاهم حفاظًا على السّلم الأهلي في البلاد.
اللّافت أنّ في الكثير من القضايا الجوهريّة في لبنان، باتت آراء التيّار متناغمة مع خصومه أكثر ممّا هي منسجمة مع حليفه. إنّه واقع يفرض نفسه على خارطة العلاقة السياسيّة بين الحليفين.
حتّى السّاعة لا شك أنّ الاختلاف بينهما واضح، ولكنّهما أمام خيارين لا ثالث لهما. إمّا الرّضوخ للأمر الواقع والاعتراف بأن الزمن ولى على تفاهمها، وإما المحافظة على التفاهم صوريًّا كضمانة مستقبليّة في حال احتاج أحدُهما إلى الآخر في وقت الضيق خصوصًا وأنّ المرحلة المقبلة حافلة بالاستحقاقات.