بعدما كان لبنان يغرق في عزلته ويتخبط في أزماته وسطَ إهمال عربي ودولي له، وبالرغم من انشغال العالم بالحرب الروسية على أوكرانيا ومفاوضات الإتفاق النووي الإيراني المعقدة، إلّا أنه ومن دون مقدمات، بدأ الحديث عن تحسن العلاقات بين لبنان والدول العربية، وذلك بعد بيان وزارة الخارجية السعودية.
فبعد أشهر من القطيعة وصلت حد سحب السفير السعودي من بيروت، رحبت وزارة الخارجية السعودية بما تضمنه بيان رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، عن "إلتزام الحكومة اللبنانية باتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التَّعاون مع السعودية ودول مجلس التَّعاون الخليجي، والإلتزام بكل قرارات جامعة الدول العربية".
وكان ميقاتي شدد على "ضرورة وقف كل الانشطة السياسية والعسكرية والامنية والاعلامية التي تمس سيادة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وأمنها واستقرارها والتي تنطلق من لبنان"، مؤكدًا "الإلتزام باتخاذ الإجراءات كافة لمنع تهريب الممنوعات وخصوصًا المخدرات إلى المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل مباشر أو غير مباشر والتشديد على كافة المنافذ".
إجابات دبلوماسية
لكن من جهته، لا يتوقع الأكاديمي والباحث السياسي السعودي، الدكتور نايف بن خالد الوقاع، أن تعود العلاقات بين لبنان والدول العربية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، إلى دفئها وحميميتها وقوتها، بالرغم من المحاولات التي تحدث من أجل تحسين هذه العلاقات".
وأكد الوقاع في حديث لـ"جسور" أن "دول مجلس التعاون الخليجي لم تغلق الباب يوماً أمام لبنان، لكنها طلبت منه أن يكف الأذى عن دول الخليج وألّا يهدد أمنها واستقرارها وسلمها الأهلي وألّا يستهدفها بالإرهاب وبتجارة المخدرات، ونقلت له شروطها مع وزير الخارجية الكويتية، الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، الذي زار بيروت والتقى الرئيس ميقاتي، الذي أبدى تفاعلاً كبيراً معها، لكن التصريح الذي أطلقه عقب زيارة الوزير الكويتي صيغَ بعناية تامة، وحمل إجابات ديبلوماسية تحتمل أن تنفذ وألّا تنفذ، وليست بعيدة عن الأمنيات أو ربما النيات".
وتابع: "لكن من الناحية الاخرى، جاءت تصريحات الرئيس عون في حوار مع صحيفة إيطالية، الثلاثاء، التي اعتبر فيها أن حزب الله ليس منظمة إرهابية، ولا تأثير أمنيا داخليا له على لبنان، ما يُظهر تناقضاً واضحاً بين مواقف الرئيسين ميقاتي وعون".
ولفت الوقاع إلى أن "لبنان وصل إلى مرحلة مفصلية لم تعد تجدي معها التصريحات الفضفاضة، فالمطلوب قد يفوق قدرات الدولة اللبنانية، كمنع حزب الله من السيطرة على الملفات الخارجية وعلى مقدرات الدولة اللبنانية وتغلغله في مؤسساتها، الأمر الذي يتطلّب وقتاً طويلاً وتدخلاً من المجتمع الدولي، وربما تغيرات في المنطقة وفي إيران".
وقال: "في المدى المنظور لا أرى أي أفق أو أمل في تحسن العلاقات الخليجية مع لبنان بشكل كبير ومؤثر، لأنها لو عادت ستبقى باردة وحذرة، لأنه لا يعقل أن أمدك بالغذاء والمال والدواء وأن تهددني بالقتل والدمار، ولا يمكن أن أرتب معك علاقات أخوّة وأنت تهرّب أطنان من المخدرات والمتفجرات إلى بلدي".
وشدد الوقاع على ما قاله ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان عن أن العلاقات السعودية مع الدول الأخرى تنطلق من مصالح السعودية وشعبها، سائلاً "ما هو العائد من علاقات جيدة ومتينة مع لبنان ولماذا نفتح له أسواقنا في ظل سيطرة حزب عليه، يمثل توجه دولة تعلن العداء لنا، وتزوّد الميليشيات الإرهابية بالصواريخ والطائرات لإلحاق الضرر والأذى بنا يوما بعد يوم؟"
وختم قائلاً: "أعتقد أن المسكنات لم تعد كافية في لبنان، وعليه أن يختار خطه بكل وضوح، إما لبنان الإيراني أو لبنان العربي أو لبنان المتوازن في علاقاته مع الدول العربية وإيران والعالم، بحيث لا يكون مرتهناً بالمطلق إلى أي دولة أخرى".
ضجة واسعة
وكان رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون قد أطلق تصريحاً أغضب عدداً كبيراً من اللبنانيين، وأثار ضجة واسعة على مواقع التواصل الإجتماعي، وصلت إلى حد إطلاق دعوات لزيارة بكركي وتأكيد رفض ما جاء على لسان الرئيس باعتبار أن ما قاله لا يمثل شريحة كبيرة من اللبنانيين.
إذ قال عون في حوار مع صحيفة "لا ريبابليكا" الإيطالية، الثلاثاء، إن "حزب الله ليس منظمة إرهابية"، مشيرا إلى "عدم وجود أي تأثير أمني داخلي للحزب على الداخل اللبناني". وتابع: "مقاومة الاحتلال ليست إرهاباً، وليس لحزب الله المكون من لبنانيين وحرر الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي أي تأثير على الواقع الأمني الداخلي للبنانيين".
زيارة عبد اللهيان
ووسط زحمة التصريحات المتضاربة والضبابية التي تسيطر على المشهد اللبناني، يصل وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان الى بيروت، من دمشق، يوم الجمعة. ومن المقرر أن يلتقي الرؤساء الثلاثة، رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، ورئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي.
وتأتي هذه الزيارة التي تسبق الإنتخابات النيابية في ظرف إقليمي ودولي لافت، لا سيما بعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للإمارات.
وكان الوزير الإيراني قد زار لبنان في أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، بعد شهر من تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وقدم عروضاً اقتصادية لمساعدة لبنان.