وبغض النظر عن الإجراءات، فإن نجاح البنك المركزي العراقي في إدارة أزمة الدولار وإصلاح القطاع المصرفي لا يعتمد على الحلول التي يضعها فقط، بل على الطابع العام في العراق والأوضاع السياسية والاجتماعية، كما يعتقد الأكاديمي والخبير الاقتصادي، همام الشماع.
ويقول الخبير في حديث لـ"جسور"، إن "اصلاح النظام المصرفي شيء يجب فرزه تمامًا عن إدارة البنك المركزي العراقي لأزمة الدولار لأن الأخيرة تتعلق بالسلوك الاقتصادي والسياسي بالمجتمع والاعتياد على التعامل بها في مختلف التعاملات، أما إصلاح النظام فهو محاولة للاقتراب من النظم المصرفية السائدة في العالم والتي لا تتعامل مع الدولار كما يجري في العراق".
خفَّف الأزمة ولم يقضِ عليها
فرض البنك المركزي إجراءات عديدة للسيطرة على أزمة الدولار في العراق، من بينها ما يتعلق بالبطاقات الإلكترونية والإجبار على التعامل بواسطتها، وتوزيع معدلات متغيرة من الدولار للمسافرين، وغير ذلك.
يرى الشماع، أن "المركزي العراقي نجح في تخفيف حدة أزمة الدولار، ولم ينجح بالقضاء عليها"، مستدركاً بالقول: "لكن لا يستطيع لوحده إصلاح القطاع المصرفي لأنها عملية تحتاج لتكاتف الجهود السياسية والوطنية والمجتمعية من أجل الانتقال لمرحلة جديدة بهذا النظام".
واوضح الشماع، أن "أهم الجهود التي فعلها المركزي للإصلاح هو موضوع الدفع الإلكتروني والتسويات الإلكترونية عبر الأنظمة الحديثة، لكنه لم ينجح به أيضاً لغاية الآن لأسباب اجتماعية أكثر من سياسية"، مؤكداً أن "السعي لهذا النظام هو من أجل حل أزمة تسوية المعاملات بالنقد التي تحتاج لأموال ورقية كبيرة عكس الإلكترونية التي ستبقي على العملة داخل النظام المصرفي وتتم التسويات بطريقة إلكترونية".
ويختم الشماع حديثه بالقول، إن "الإصلاح الجوهري الكبير لم ينجح به المركزي ليس بسبب عدم إيجاد حلول، بل لأن الشعب العراقي صعب التعود أو التدرج بشيء معين للقضاء على التعامل النقدي وتطبيق الإلكتروني بشكل تام، كحال بقية الأمور والضوابط فيما إذا أرادت جهة تطبيقها بمجال معين للسيطرة".
عوامل أثّرت سلباً على احتواء أزمة الدولار
بالمقابل، يؤشر متخصصون نجاحاً معيناً في التعامل مع إدارة أزمة الدولار في العراق، لكن بوجود عوامل عديدة أثّرت سلباً على احتواء الأزمة.
ويعتقد الأكاديمي والمتخصص الاقتصادي، علي دعدوش، أن "البنك المركزي العراقي نجح في احتواء وإدارة أزمة الدولار التي حصلت خلال الفترة الماضية"، كما أن "التعامل بنظام المنصة الالكترونية أحدث فرقاً في هذا الأمر منذ تطبيقه بداية العام 2023"، وفق رأيه.
ويقول دعدوش، في حديث لـ "جسور"، إن "المنصة الإلكترونية كان من المقرر على الإدارة السابقة للبنك المركزي منذ عام 2020 أن تقوم بتهيئة كل مستلزمات التحول إليها من خلال التعزيز إلى نظام عالمي للتحويل المالي والإيعاز إلى الجهاز المصرفي لتدريب الموظفين على المنصة وتسهيل عملية التحويل للاستيرادات".
في قبالة ذلك، يؤشر المتخصص "سلبيات أخرى متراكمة خارج إطار السلطة النقدية هي التي أثرت بشكل مباشر"، ويوضح، أن "الهيمنة المالية وتغيير سعر الصرف مرتين في أقل من 3 سنوات لأغراض غير اقتصادية من قبل السياسة المالية المالكة لعرض الدولار ومشاكل ضعف السيطرة على المنافذ الحدودية خصوصاً غير الرسمية منها، فضلاً عن تباطؤ المصارف في عملية تطوير خدماتها والتحول من التعزيز إلى نظام المنصة الإلكترونية، كلها آثار ثبطت من نجاح السلطة النقدية في احتواء أزمة الدولار وبالتالي حصلت الفجوة الكبيرة ما بين السعرين الرسمي والموازي الحقيقي للصرف في البلاد".
ويؤكد دعدوش أن "فترة الفجوة بين السعرين قد طالت نتيجة عدم قدرة التجار الصغار على التحويل المالي للسلع المستوردة من الدول المعاقبة - والتي تبلغ أكثر من 7 مليار دولار - عن طريق المنصة"، وبالتالي جرى "الاتجاه نحو السعر الموازي للحصول على الدولار، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الطلب مع قلة الدولارات المعروضة والتي في الأصل يؤمّنها البنك المركزي لأغراض السفر والدراسة فضلاً عن المضاربات في السوق".
ومع ذلك "سعى البنك المركزي لإصلاح الجهاز المصرفي وتطوير خدماته"، وفق دعدوش، "فعملية التحول للدفع الإلكتروني وإصدار القرارات والاجراءات التنظيمية للإفصاح وتوجيه المصارف نحو الالتزام بعملية غسيل الأموال وطرح إجراء (اعرف زبونك) وغيرها من الإجراءات كان لها الأثر المهم في تطور المصارف"، إلا أن تلك الإجراءات "كانت تصطدم بعقبة ضعف الثقافة لدى الزبون أو التاجر، ما أدى إلى وقت أكبر لدخول التجار إلى المنصة بسبب البيروقراطية الإدارية في دائرة الضرائب وما شابه ذلك، والتي تم تجاوزها بعد أن أصدرت الحكومة قرارات تنظيمية وتسهيل الإفصاح الضريبي للتجار".
بشكل عام، يعتقد المتخصص الاقتصادي أن "الإصلاحات القادمة مترابطة بين السياسات الاقتصادية فعملية ضبط المنافذ الجمركية واستخدام أدوات السياسة التجارية والتنسيق ما بين السياستين المالية والنقدية بصورة أكثر تنظيماً مع التوجه نحو بناء قاعدة إنتاج محلية لمواجهة الاستيرادات من دول الجوار كمرحلة أولى ومنها تنطلق نحو مراحل أوسع لتشمل بقية السلع والخدمات الكمالية بالإضافة إلى منتجات الطاقة كفيلة على الأقل في المدى المتوسط 3-5 سنوات القادمة بتحقيق طفرة مهمة للإصلاحات الاقتصادية".