منذ اندلاع الإحتجاجات التي تطالب بالعدالة والمساواة والكرامة واحترام حقوق الإنسان في إيران، والنظام يرد على المواطنين بالعنف والقمع. وحتى اليوم، ليس هناك ما يدل على أي تحسّن في الأوضاع في البلاد، لا الإنسانية ولا الإجتماعية أو الإقتصادية، والممارسات الإجرامية والإنتهاکات الفظيعة لحقوق الانسان لا زالت هي هي، لا بل من أسوأ إلى أسوأ، ما يصعب حياة المواطنين عموما والنساء خصوصا.
الشعب الإيراني اليوم يواجه تخلفا وتراجعا على جميع الأصعدة، في ظل محاولات البعض تمهيد الظروف والأوضاع من أجل التغيير السياسي الجذري في البلاد، والمرأة الإيرانية تعاني الأمرين في بلادها التي تحرمها من أدنى حقوقها؛ إذ اعتبرت المعارضة الإيرانية ليلى جزيري، وهي رئيسة جمعية المرأة الإيرانية في إنكلترا، أن "حال النساء في إيران اليوم صعب للغاية".
وقالت في حديث لـ"جسور"، "لا حریة للنساء في بلدي إیران لأن النظام يقيد حقوقهن ويمنعهن من المشاركة في الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية. النساء يتعرضن للتمييز في التعليم والعمل والحصول على الرعاية الصحية، كما أنهن يتعرضن للعنف الأسري والزواج القسري. ونشهد باستمرار في إيران انتشار العنف ضد المرأة، من خلال مشاهد تزداد بشاعة كل يوم. وفي غضون ذلك، تشير مساعي مسؤولي نظام الملالي للتستر على القضايا التي وصلت إلى عنان السماء، والإحجام عن الملاحقات القضائية، والإفراج عن مرتكبي الجرائم، إلا أن نظام الملالي مستفيد من هذا الوضع".
وتابعت جزيري: "لم يوقع نظام الملالي على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والحقيقة المؤكدة هي أن فصائل نظام الملالي متفقة في الرأي على ضرورة قمع المرأة. والجدير بالذكر أن القمع هو إحدى الركيزتين الرئيسيتين لبقاء نظام الملالي، ويستهدف المرأة الجزء الأكثر شمولًا من القمع، وبهذه الطريقة تسجن الديكتاتورية الدينية المجتمع الإيراني بأكمله. كما أن نظام الملالي هو الراعي الرسمي لقمع المرأة في العالم، وأن حجم أشكال العنف الحكومي ضد المرأة بذرائع سياسية أو الحجاب وغيره، تعادل ضعف أشكال العنف الاجتماعي والأسري بعدة أضعاف.وبطبيعة الحال أصبح تحسين هذه الظروف أكثر صعوبة بشكل غير مسبوق، نتيجة لتولي إبراهیم رئيسي السلطة في البلاد، حيث أن سجل الإعدامات السياسية الواسعة النطاق تلوث سجله الأسود".
مبادرات نسائية
من جهة أخرى، أكدت المناضلة الإيرانية أن "هناك العديد من المبادرات النسائية التي تعمل لمواجهة سلطة الملالي في إيران، وهذه المبادرات تسعى إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز حقوق المرأة. كما أنها تسعى إلى مقاومة القمع الذي تتعرض له النساء من قبل النظام. من هنا برز دور المرأة في الإنتفاضات وخصوصا إنتفاضة 2021-2022، حیث أهم ما يميز هذه الجولة من الإنتفاضات الشعبية هو وجود فتيات ونساء في التظاهرات، وكان الشباب والشعب ينقادون لهن بإعتراف وسائل الإعلام النظام نفسها. على سبيل المثال، ذكرت وكالة أنباء فارس في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 أنه في أماكن كثيرة، لا سيما في ضواحي طهران، يبدو أن النساء بأعمار بين 30 – 35 عاما لعبن دورا خاصا في قيادة أعمال الشغب. ولكل من هؤلاء النساء اللواتي يرتدين زيا موحدا مسؤوليات منفصلة؛ إحداهن تصور أعمال الشغب وأخرى توقف السيارات وغيرها تحرض الناس على الانضمام إلى هذه الأعمال. ويمكن أن تكون قيادة النساء في الانتفاضات علامة على تأثير أشعة مثالية لمجاهدي خلق وجيش التحرير الوطني الإيراني في علاقات الشعب الإيراني، لأن مجاهدي خلق يطبقون قيادة المرأة في علاقاتهم منذ عقود. لذلك، يمكن تلخيص دور المرأة كالتالي: لقد أدركت الإيرانيات أنفسهن أنه في مواجهة هذا النظام المناهض للمرأة، لا يمكنه أن يخرج عن طبيعته، ويجب أن تدخل المرأة إلى المشهد، وأن تشارك في جميع شؤون المجتمع في المطالبة بحقوقهن. وبالتالي، فإن النضال من أجل حقوق المرأة اليوم لا ينفصل عن النضال لإسقاط هذا النظام، ونرى أن النساء قد وضعن هذا المفهوم موضع التنفيذ لسنوات عديدة، وبالأخص في أنشطة حملاتهن، إذ نرى أن عدد النساء في معاقل الانتفاضة يتزايد، وبتقدمها، تصبح هذه الحركة في الكفاح ضد نظام الملالي أوسع وأسرع".
وأضافت جزيري: "ألهمت مشاركة المرأة في القيادة تحولا ثقافيا كبيرا في كل جسم المقاومة وبين النساء في البلاد اللواتي واجهن الفصل العنصري الجنسي في جميع مجالات حياتهن. ونتيجة لنضال هؤلاء النساء وهذا الإنجاز الكبير، شهد العالم أنه خلال انتفاضة 2009 في إيران، كان للمرأة دور مهيمن وبارز كذلك لعبت دورا قياديا في انتفاضات 2017 و2019 و2022".
واعتبرت أيضا أنه "في الواقع، كانت ثلاثة عوامل مصدر هذه الظاهرة: أولا، أكثر من 40 عاما من النضال من أجل الحرية والمساواة؛ ثانيا، الطبيعة المعادية للنساء للنظام الحاكم؛ وثالثا، وجود مقاومة منظمة كانت مساواتها الجنسية في طليعة جميع أعمالها. جيل متمرد نزل إلى الشوارع لتفكيك نظام الملالي، والفتيات البطلات قدن الإنتفاضات في ساحة المعركة، وهن وحدات المقاومة ومقاتلات الثورة الديمقراطية للشعب الإيران، وهززن النظام في هذه الانتفاضات على جبهات المواجهة مع الشعب الإيراني في جميع المحافظات، كذلك النساء المتمردات والمناضلات، اللواتي حولن ساحة الدفاع ضد قوى القمع إلى غزو واعتداء على هؤلاء المرتزقة المتوحشين. لم ينامن أو يستريحن لأيام، ولم يحصلن على الطعام الكافي، لكنهن لم يتعبن بل أصبحن أكثر قتالية، واستنفدن العدو، وكن طليعة الثورة والانتفاضة. وفي صفوف الشجعان من الجماعة المتمردة، أبقين نار الانتفاضة مشتعلة بتحملهن الكثير من المعاناة".
"نساء التمرد"
وتابعت جزيري، "نساء التمرد والثورة، يتم استغلالهن بأجسادهن الصغيرة من قبل الحرس ومرتزقة القمع، الذين يقومون بقمعهن وذبحهن واستهدافهن باستخدام قناصيهم، محاولين دفعهن إلى التراجع. تزايدت حدة الاحتجاجات، وامتدت الانتفاضة الإيرانية ودور وحدات المقاومة أنصار مجاهدي خلق بشكل واضح، حتى أصبحت محط اهتمام وسائل الإعلام الحكومية، التي اضطرت لتغطية أحداثها، حتى بالرغم من محاولاتها للتقليل من حجم الإحتجاجات والإنتفاضة. وعلى الرغم من هذه المحاولات، فإن المقاومة لا تزال مستمرة ولا يبدو أنها ستنتهي. ونحن، إلى جانب الشعب الإيراني، ننتظر اللحظة التي ستشعل فيها شرارة مستقبلية مشرقة".
في السياق نفسه، تحدث الكاتب السياسي مسعود محمد، في حديث لـ"جسور"، عن مشروع يخص النساء يتم دراسته، وعن بيان يُمكن لنائبات البرلمان ووزيرات سابقات، وكاتبات، وشاعرات، وفنانات بارزات، ورئيسات مجتمعات مدنية، ومحاميات، وعاملات في دوائر مهمة، كذلك منظمات حقوق الإنسان، ومحلات، وغيرها، تأييده".
يذكر أن الجمهورية الإسلامية شهدت تحركات واسعة منذ وفاة مهسا أميني بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران لعدم التزامها قواعد اللباس.
وكانت السلطات الإيرانية قد أشارت إلى أن أميني توفيت من جراء مشكلة صحية، لكن عائلتها ونشطاء قالوا إنها تعرضت لضربة على الرأس خلال التوقيف.
إضافة إلى ذلك، يعتبر النظام الإيراني من أكثر الأنظمة قمعا في العالم اليوم.