تظهر اليقظة والجهوزية الأمنية العالية في جميع المناطق الفرنسية، حيث تتخذ إجراءات مختلفة على صعيد أجهزة الأمن والمؤسسات وحتى الأفراد. إذ كثّفت الدوريات الأمنية التي تقوم بها الشرطة والجيش وتشدّدت المراقبة في المطارات والأماكن التي تضم تجمعات. وكذلك أخذت بعض المؤسسات تنشر تعاميماً تحظر دخول من ليس له عملاً إليها. وعمد المعنيون في الكثير من المباني إلى حثّ سكانها على الانتباه وعدم فتح البوابات أمام الغرباء. فيما بات البعض يتخوف من التوجه إلى أماكن مكتظة باعتبارها عرضة للخطر أكثر من غيرها. هذا بينما تستمر الحركة بشكل اعتيادي في باريس أشهر المدن السياحية في العالم.
وتشهد فرنسا إجراءات أمنية مشددة منذ إعلان رفع حالة التأهب الأمني إلى أعلى مستوى، مساء الأحد 24 آذار، بعيد الهجوم الإرهابي قرب العاصمة الروسية موسكو، والذي أودى بحياة نحو 140 شخصاً. أتى إعلان التأهب نتيجة وجود تهديدات أمنية جدّية وقبيل دعوة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" فرع خراسان أنصاره إلى تنفيذ هجمات في أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل، أمس. وهو نفسه التنظيم الذي أعلنت باريس أنه ضالع في خطط لهجمات أحبطت في العديد من الدول الأوروبية من بينها فرنسا. وتحضيراً لعيد الفصح، طلب وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، من رؤساء الشرطة نشر قوات الأمن أمام كل كنيسة بسبب "التهديد الإرهابي واستمرار التوترات" الدولية.
ويحوم شبح التهديدات الأمنية في البلد الذي عانى من هجمات إرهابية، كان أعنفها الهجوم الإرهابي في 13 تشرين الثاني 2015 في العاصمة باريس وضاحية سان-دونيس، والذي أنهى حياة 130 شخصاً وأسقط 350 جريحاً. وما يزال الهجوم حاضراً بقوة في وجدان الفرنسيين.
وقبل هذا الهجوم تعرضت صحيفة شارلي إيبدو لهجوم إرهابي أدى لمقتل 12 شخصاً، في السابع من كانون الثاني من العام نفسه. ويأتي التحدي الأمني الجديد في ظلّ حربيّ أوكرانيا وغزّة وعودة تنظيم داعش إلى الواجهة، وبينما تتجهز العاصمة الفرنسية لاستقبال دورة الألعاب الأولمبية بين 26 تموز و11 آب المقبلين، ما يصعّب التحدي الأمني. إذ من المتوقع أن تشهد باريس اكتظاظاً لم تشهده من قبل.
وعادة ما تستمر حالة التأهب مدة ثلاثة أشهر لكن من المرجح أن تستمر هذه المرة إلى ما بعد انجاز استحقاق تنظيم الألعاب الأولمبية. وفي حين تعمل أجهزة المخابرات الأوروبية والفرنسية على إحباط المخططات الإرهابية واستباق الهجمات عبر خرق هذه التنظيمات، يخشى محللون مما يوصف بالذئاب المنفردة. أي الأفراد الذين يشنون هجمات إرهابية من دون تنسيق أو ارتباط مباشر مع جماعات معينة.
وستشارك دول عدة في مساعدة فرنسا على ضمان أمن الأولمبياد من بينها بولندا. ووفق وزارة الدفاع الفرنسية، سيتم نشر 18 ألف جندي فرنسي خلال الحدث الرياضي العالمي، بينهم ثلاثة آلاف مسؤولون عن المراقبة الجوية. إذ تتخوف الأجهزة من احتمال شن عمليات إرهابية بالمسيرات.
وفي حين تتجه الأنظار إلى تنظيم الأولمبياد في ظل التهديدات الإرهابية، تشير صحيفة "لوبينيون" الفرنسية إلى أن الحدث الرياضي تحت مراقبة مشددة. ووفق الصحيفة تعمل وزارة الداخلية على فحص ملفات تعريف 45 ألف متطوع و15 ألف رياضي وموظفيهم، و222 ألفاً ستتم دعوتهم لحضور حفل الافتتاح على ضفة نهر السان. وذلك لتفادي الخطر الذي قد يأتي من أشخاص يحملون تصاريح للدخول إلى أماكن حساسة خلال الحدث.
وتلفت "لوبينيون" إلى تمتع فرنسا بالخبرة والدراية في التجمعات الكبيرة. حيث جرى تنظيم مسيرة ضمت 1.5 مليون شخص في شوارع باريس بعد اعتداءات شارلي ايبدو. كما استضافت فرنسا بطولة أوروبا لكرة القدم في العام 2016 خلال التهديدات الإرهابية.
وبعيداً عن التهديدات الإرهابية الحقيقية، عادة ما تتعامل فرنسا بجدية مع أي تهديد أمني. ففي الصيف الماضي تعاملت الأجهزة الأمنية بجدية مع الكثير من البلاغات الكاذبة. فأخلت العديد من المواقع التي تم الإبلاغ عن وجود قنابل فيها. وجرى إخلاء متحف اللوفر عدة مرات. وفي الأيام الماضية أعلنت السلطات الفرنسية القبض على مراهق يبلغ 17 عاماً يشتبه في وقوفه خلف التهديدات التي طالت نحو 130 مدرسة منذ 20 من آذار الجاري وعطلت الدراسة فيها. هذا في ما يبقى موضوع التشدد الديني والإرهاب من أبرز التحديات التي تواجه البلد العلماني والذي يعيش تداعيات العديد من الأحداث والصراعات حول العالم.