تشكلت حكومة الإطار برئاسة محمد شياع السوداني بعد مخاضٍ عسير كان أبرز أحداثه هو عرقلة الفائز الاول من (الشيعة ) وهو التيار الصدري الذي انسحب من العملية السياسية والبرلمان ليدع الإطار بشكل حكومته التوافقية مع حلفائه من ( الكُرد والسنة ) اللذان كان الاغلبية منهم حلفاء الصدريين قبل انسحابهم من البرلمان.
ولم يكن لهذا التحالف الجديد الذي شكّل الحكومة الجديدة والذي تشكل على انقاض التحالف الثلاثي السابق بين الصدر وبارزاني و الحلبوسي، أن يتشكل دون ثمن يُذكر لصالح حلفاء الإطار وذلك من أجل تمرير حكومة محمد شياع السوداني، أبرز هذه الأثمان التي تعهد بها الإطار للمكون (السني ) وأبرزهم كان تحالف تقدم برئاسة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، هو قانون العفو العام الذي يتيح لنسبة كبيرة من السجناء المحسوبين على المكون ( السني) أن يخرجوا من السجون إن كانت التهم الموجهة إليهم غير جنائية تتعلق بجرائم القتل.
كذلك تم تقديم تعهدات للجانب الكردي كان أبرزها هو عودة كركوك لاحضان الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، كذلك إكمال قانون النفط والغاز اضافةً الى قانون المحكمة الاتحادية التي يتهمها الحزب الديمقراطي الكردستاني بأنها محكمة موجهة ضد مصالح اقليم كردستان!
إلا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يرى اليوم أن هذه الاتفاقات لم تكن إلا حبراً على ورق بدليل ما يراه الحزب من استهداف ممنهج ضد أربيل عاصمة إقليم كردستان ومعقل حزب بارزاني، اضافةً إلى استهداف حزب تقدم الشريك السياسي الآخر للإطار والشريك السابق للصدر قبيل انسحابه، فقد تم في وقتٍ سابق إقصاء رئيس الحزب محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان بقرار بات من المحكمة الاتحادية، إضافةً إلى قرارات المحكمة الاتحادية الأخرى بحق إقليم كردستان كان أبرزها عدم دستورية استمرار عمل برلمان اقليم كردستان وكذلك القرار الأخير الذي يلزم السلطات العراقية توطين رواتب الاقليم قبل دفع هذه الرواتب لمستحقيها موظفي ومتقاعدي الإقليم، اضافةً لعدة قرارات أخرى صدرت عن المحكمة الاتحادية وقرارات حكومية يراها حزب بارزاني أنها ضد الاقليم و تهدد وجوده كأقليم له كيانه الخاص ضمن دولة فدرالية حسب الدستور العراقي الذي صوّت عليه العراقيون عام 2005 كذلك ما يراه الكرد أنه محاولة لاعادة المركزية وحصر السلطات في بغداد فقط وهذا ما يحذر منه حزب برزاني ويعتبره عودة لـ الديكتاتورية المركزية كالتي كانت قبل عام 2003 !
فضلاً عن ذلك، يرى سياسيو أربيل والحزب الديمقراطي الكردستاني أن قرارات المحكمة الاتحادية وتعامل احزاب الإطار التنسيقي بعد تشكيل الحكومة الحالية، جميعها تصب في صالح الند الأكبر لأربيل، إلا وهي السليمانية وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة قوباد طالباني الذي كان الحليف الرئيسي للإطار التنسيقي إبان أزمة تشكيل الحكومة التي أعقبت نتائج انتخابات عام 2021 التي فاز فيها الصدر و الحلبوسي وبارزاني لكن من دون استطاعتهم تشكيل الحكومة معاً بسبب رفض الاطار الذي كان يدعمه حزب طالباني وكتل سنية صغيرة والاهم من ذلك الرفض الإيراني حينها بتشكيل حكومة اغلبية دون وجود اذرع ايران فيها .
نحو البيت الأبيض !
تم الإعلان في وقت سابق عن زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى البيت الأبيض بدعوة كانت منتظرة منذ اكثر من عام من الحكومة العراقية والتي تريد مد جذورها في السلطة وذلك في خضم مشاكل سياسية تعصف في العراق والمنطقة، خصوصاً في ظل غياب الصدر الذي يرى الكثير بأن مجرد عودة جماهيره إلى الشارع بأمرٍ منه يعني تخلخل منظومة السلطة في بغداد، خاصةً في ظل استمرار التخوف من وضع اقتصادي متردي في حال عقوبات أمريكية وهذا ما يعني بالضرورة عدم رضا الشارع العراقي ان حدث ذلك وبالتالي استغلال الصدر لحالة عدم الرضا هذه كما يخشى الإطار ذلك .
وبالعودة لثنائية بغداد واربيل، فإن الإطار الحاكم من غير المستبعد أن يفكر بالشكل الآتي، وهو أن الاقليم وبالخصوص أربيل لم يعد ذلك الملاذ الآمن الذي يملك خاصية دعم المجتمع الدولي له كما كان عليه الحال قبل عام 2003، ودليل الإطار في ذلك هو استفتاء الإقليم الفاشل قبل عدة سنوات بالانفصال عن العراق، ورغم نجاح التصويت بنعم على الاستفتاء ،إلا أنه لم يلاقي أي دعم خارجي دولي يُذكر.
هنا يتعكز الفاعل السياسي في بغداد على فرضية عدم دعم المجتمع الدولي وأميركا لإقليم كردستان في حال وجود أي صراع سياسي بين بغداد وأربيل، إلا أن زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني لواشنطن في الشهر الماضي كانت بمثابة إثبات لـ الدعم الأميركي المتواصل للإقليم منذ عام 1991 عقب حرب تحرير الكويت عندما أصبحت كردستان ذات وضع خاص محمي من المجتمع الدولي ضد سطوة النظام السابق .
لكن على الرغم من ذلك فإن العقل الذي يفكر به الإطار قد تناسى أن المجتمع الدولي الذي لم يؤيد انفصال كردستان عن العراق لاسباب تتعلق بوضع أكراد إيران وتركيا وما يتسبب ذلك من توسع خطر الصراع بين هاتين الدولتين مع الأكراد في بلديهما، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة عدم دعم الاقليم دوليا في ملفات أخرى، فالولايات المتحدة الأمريكية وبحسب مراكز دراسات أمريكية وغربية تعتبر أن اقليم كردستان هو الحليف الموثوق الوحيد في جغرافية العراق .
من غير المستبعد أن يكون هذا الحليف الكردي هو (مسمار جحا) لـ أميركا في المنطقة بدلالة زيارة مسرور بارزاني التي أكدت عمق العلاقات بين الكرد والولايات المتحدة وإعلان برزاني صراحةً عن رغبة الكرد ببقاء القوات الأميركية في اقليم كردستان وذلك عكس ما تعلنه الحكومة المركزية في بغداد .
كذلك بدلالة قرب الانتهاء من بناء أكبر قنصلية أميركية في العالم توازي أكبر سفارة في العالم لأميركا والتي موجودة في بغداد، بُنيت هذه السفارة عندما كانت بغداد يُراد منها ربما ان تكون الحليف الموثوق للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة قبل أن يخيب أمل أحفاد العم سام عندما تم إحراق أبواب هذه السفارة على يد داعمي الحكومة الحالية مطلع العام 2020 !
زيارة وفد مسرور بارزاني الاستباقية لزيارة السوداني في منتصف الشهر الجاري من المؤكد أنها ناقشت كذلك مع البيت الأبيض ومراكز القوى في الكونغرس ما يعانيه الإقليم من ما يعتبره قادة الاقليم استهداف سياسي ضده في العراق، وهو ما يعني وجود اجندات إضافية للرئيس جو بايدن يضعها أمام ضيفه رئيس الوزراء العراقي، الذي بدوره في أجندته أمور أخرى تؤرقه، أهمها وضع القوات الأميركية في العراق .
يريد السوداني من هذا الملف ضمان عدم حدوث أي تخلخل بالعلاقة بين العراق والولايات المتحدة وبالمقابل عدم حدوث تخلخل بين حكومته والفصائل التي شكلت حكومته أو تحمي وضع حكومته، فملف القوات الأمريكية في العراق كما يرى البعض من المراقبين، بأنه أن لم ينته بشكل ودي مع الجانب الأميركي أن كان ببقاء القوات او مغادرتها، فإنه من غير المستبعد أن يسبب غضب أميركي يؤدي لعقوبات أميركية على القطاع المصرفي العراقي والذي إن حدث فإنه سيعجل من الانهيار الاقتصادي الذي سيحدث أصلاً عاجلاً أو آجلا أن انهارت أسعار النفط في حال بقي العراق بحالة عدم وجود آلية اخرى للموارد المالية غير للنفط وهو ما اكد عليه وزير المالية العراقي السابق علي عبد الأمير علاوي قبل ايام في حديث صحفي .
الوضع الخاص لإقليم كردستان لدى المجتمع الدولي وواشنطن بالخصوص لن يتزعزع لسبب رئيسي وهو أن الإقليم بخاصة حزب برزاني كان دوماً الحليف الأساسي للولايات المتحدة الأميركية والذي كان متماهياً مع سياساتها في العراق و منطقة الشرق الأوسط مهما كانت علاقة هذا الحزب قوية او ودية مع إيران، هذه العلاقة التي تعرضت لشرخ كبير بعد انتخابات عام 2021 عندما آثر حزب برزاني التحالف مع الصدر ومحاولة تشكيل حكومة بعيداً عن اذرع إيران وما سببّ ذلك مع أسباب أخرى لقصف إيراني عدة مرات لأربيل بحجة وجود مقرات للموساد الإسرائيلي .
في الختام، زيارة مسرور بارزاني لواشنطن قبيل زيارة السوداني ربما كانت خطوة ذكية، استبقت أجندات الحكومة المركزية وبالتالي عرض الاقليم مظلوميته أمام واشنطن غير أن السوداني قدم (عربون محبة) لزيارة البيت الابيض وخالف او قام بتأجيل قرار المحكمة الاتحادية قبل أيام والقاضي بضرورة توطين رواتب الاقليم حتى يتم كشف عدد الموظفين الكرد الحقيقي، إذ أرسل السوداني رواتب الموظفين في كردستان بحسب السياقات السابقة وذلك بعد التفاهم مع حكومة أربيل .
وبهذا سيصل السوداني لواشنطن وهنالك فقرة من أحد الملفات الكثيرة قد تم حلها فعلاً أمام ساكن البيت الأبيض الذي يستعد لتوديع منصبه بحسب مراكز الدراسات واستطلاعات الرأي، ليعود ترمب للبيت الأبيض ربما بسياسة جديدة تخص العراق تختلف عن سياسة بايدن والديمقراطيين !