ونجحت مفوضية حقوق الإنسان في ديالى بإدامة وجود من 10- 15 من أطفال الغجر في المدارس القريبة من قريتهم، في خطوة أولى لـ"دمجهم في المجتمع"، وفق تعبيرها.
تجربة فريدة
"أبو عزيز"، وهو غجري ستيني، تحدث مع "جسور" والبسمة على وجهه، وذلك فرحاً بدخول حفيده للمدرسة وقرب إكماله العام الأول فيها، قائلاً إنّ "الأمية تسيطر حتى الآن على الغجر في ديالى، لعدة أسباب، في مقدمتها صعوبة أن يتقبلنا المجتمع الذي يستمر دوماً بإطلاق اتهامات باطلة علينا".
لكنّ مدير مفوضية حقوق الإنسان في ديالى صلاح مهدي أكد لـ"جسور"، نجاح عمل المفوضية في استمرار من 10 - 15 طفلاً غجرياً في الدراسة طوال العام الدراسي، "ضمن تجربة فريدة على مستوى البلاد لتعليمهم"، بحسب قوله.
وتحدث مهدي عن أنّ "الأمية تسيطر على 95% من الأسر الغجرية في قريتهم الصغيرة في الجزء الغربي من بعقوبة والتي تضم العشرات في وضع معيشي وإنساني صعب ومعقد، ومن هنا انطلق البرنامج الخاص بتعليمهم".
وحول تفاصيل البرنامج، بيّن مهدي أنه "تم بالتعاون مع وزارة التربية وإدارات بعض المدارس بدعم حكومة ديالى، وهو يتضمن عدة بنود، أبرزها عدم الكشف عن هوية أطفال الغجر لتفادي التنمر الذي يقود إلى تركهم الدراسة مع تعاون الإدارات في الإشراف على هذه المهمة وتقييمها".
ورأى مهدي أنّ "وصول الأطفال إلى نهاية العام الدراسي في أول تجربة من نوعها، يعد بداية إيجابية ستدفعنا إلى تعميمها وزيادة الأعداد من خلال الانفتاح على الأسر لدفع أطفالها للذهاب إلى المدارس لتغيير واقع استمر لسنين طويلة مع الجهل والأمية المفروضة".
وبالنسبة لمهدي، فإنّ الأمية والجهل، كانتا سبباً رئيساً في كون "غالبية الأسر الغجرية تعتمد على التسول كمورد مادي لتلبية متطلبات الحياة، وسط أجواء صعبة من ناحية الخدمات".
استبدال "التسول" بخيارات بعيدة عن "قسوة المجتمع"
أما الناشط الحقوقي علاء الربيعي، فقد رأى بزج أطفال الغجر في المدارس وفق آلية تحرص على منع كشف هوياتهم أمام أقرانهم، بأنها "تجربة جيدة من الناحية النفسية لتفادي ردة فعل المجتمع في ظل تنمر قد يدفعهم إلى ترك المقاعد".
وأشار الربيعي، في حديثه لـ"جسور"، إلى أنّ "الأسر بعد 2006 تجمعوا في مقاطعة زراعية في محيط الأحياء الغربية من بعقوبة ضمن ما يعرف بـ(التجاوزات)، وقاموا ببناء منازل صغيرة في محاولة للاختباء من قسوة نظرة المجتمع إليهم مع بروز خطر القاعدة آنذاك".
وأضاف أن "جميع الأسر الغجرية تحت خطر الفقر وكانت قبل 2003 تعتمد على الأفراح والحفلات في كسب قوتها لكن الأوضاع تغيّرت".
ودفعت "لعنة الانتماء إلى أن تكون البطالة في صفوف الرجال بنسبة 90% على الأقل، لذا بات التسول للنساء هي الوسيلة المتوفرة لكسب القوت"، يقول الربيعي، ويوضح أنّ "زج أطفال الغجر في المدارس سيكون بداية جيدة لتحسين واقعهم".
ووصف تقرير المجلس الدولي لحقوق الإنسان المُقدّم الى الجمعية الأممية في أيار/مايو ٢٠١٥، ظروف تجمعات الغجر في وسط العراق وجنوبه، بأنها "الأكثر سوءاً وبؤساً في عموم أراضيه (…) حيث "يعيشون في مُشيدات طينية، دون نوافذ وليست لديهم كهرباء أو مياه نظيفة أو خدمات رعاية الصحية، ولا يحصلون على أغذية كافية، ولا صلة لهم بخدمات الضمان الاجتماعي".
وتواصل "جسور"، مع قائممقام قضاء بعقوبة، عبدالله الحيالي، للتوضيح حول الأمر، حيث قال إنّ "الغجر مجموعة بشرية موجودين في قرية المرحلين (قرية الغجر شعبياً) غرب بعقوبة، وعددهم يتراوح بين 60 - 70 أسرة".
وقال الحيالي إننا "قدمنا لقريتهم الخدمات، وأوصلنا الكهرباء لهم"، مستطرداً بالقول: "حتى ملف الدعم الإنساني من خلال منظمات المجتمع المدني نساهم فيه، وكل الملفات المتعلقة بالغجر، والتي تأتي من خلال مفوضية حقوق الإنسان والمنظمات والدوائر الحكومية، نتفاعل معها ونقدم أي دعم ممكن".
وادّعى الحيالي أنه "لا يمكن تغيير نظرة المجتمع إزائهم، لذا فإنّ أي تغيير في حياتهم يبدأ منهم، لأنهم من يحددون في نهاية المطاف بوصلة حياتهم".
وبالعودة إلى "أبي عزيز"، فيؤكد: "نحن نعيش تحت خط الفقر ولم نتورط في السياسة أو التطرف ولا نريد سوى الهدوء"، عاداً دراسة بعض أطفال الغجر "لحظة أمل نتمنى أن تدوم كي نعرف كيف نكتب أسمائنا على الأقل".