لم تكن الانتخابات المبكّرة التي دعا إليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في كلمته التي ألقاها في الثالث من شهر آب/أغسطس الحالي هي الهدف الوحيد لزعيم التيار الذي يرغب بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، فإبعاد المنافسين ممن يتّهمهم الصدر بالفساد والتسبب بخراب العراق عن السلطة من خلال حصرهم في زاوية المعارضة هو الهدف الأهم بالنسبة للصدر ليتمكّن من تغيير النظام السياسي ولو بشكل تدريجي بعد تراجعه عن هدف تغيير النظام بشكل جذري لعدم توافر أجواء هذا التغيير في الوقت الحالي.
إشارة الصدر إلى "عملية ديمقراطية سلمية ثورية" قبل إشارته إلى "عملية ديمقراطية انتخابية مبكّرة" في كلمة الثالث من آب كانت بمثابة تأكيد هذا الأمر من خلال إبقاء اعتصام أنصاره قرب مجلس النواب العراقي حتى بعد ترحيب جميع القوى السياسية بالانتخابات المبكرة، إذ أنه لا يريد أن تكون هذه الانتخابات طوق نجاة لمنافسيه وفي مقدّمتهم غريمه التقليدي زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الذي لم يعد خافيًا أن الصدر لا يرغب ببقائه في المشهد السياسي العراقي لاسيما بعد الأزمة التي تسببت بها التسريبات الصوتية للمالكي وهجومه الجديد فيها على الصدر.
بالنتيجة فإن ما يريده الصدر حاليًا يتمثّل بتعديلات في قانون الانتخابات يسبقها ضمانات من الشركاء السياسيين لاسيما من أمين عام منظمة بدر هادي العامري تتعلق بالتزام المشاركين في الانتخابات المبكرة بذهاب الخاسر فيها إلى المعارضة من دون الإصرار على الدخول في التشكيلة الحكومية، لمنع تكرار سيناريو عرقلة الإطار التنسيقي لجهود الصدر في تشكيل الحكومة وما أعقبها من مشاكل أوصلت الحال إلى ما هو عليه اليوم.
والخلاصة أن الصدر يريد الذهاب إلى انتخابات جديدة يتمكن من خلالها تشكيل حكومة أغلبية وطنية بعد حصوله على عدد مقاعد أكثر من الانتخابات السابقة بالاستناد إلى تغيير قانون الانتخابات الحالي وتوزيع جمهوره ومرشحيه على الدوائر الانتخابية بشكل أمثل، والدخول إلى مجلس النواب بالأغلبية برفقة حلفائه في المكونين السني والكردي والمستقلين وبعض القوى الشيعية التي لا تمانع توجهاته مع إبقاء بقية الكتل الشيعية كائتلاف المالكي في المعارضة تمهيدًا لإقصائها عن المشهد تدريجيًا من خلال تقليص تأثيرها وقاعدتها الجماهيرية.
مهمة صعبة
وعلى الرغم من تحشيد الصدر لكل إمكاناته لإقصاء المالكي في القريب العاجل غير أن المهمة لا تبدو بهذه السهولة لجملة من الأسباب يتقدّمها الثقل الشعبي للمالكي الذي لا يزال يتمتّع بالقوة نسبيًا حتى بعد أزمة التسريبات الأخيرة.
ويقول أستاذ الإعلام في جامعة أهل البيت بكربلاء غالب الدعمي في حديث لمنصة "جسور"، إن "التيار الصدري لن يتمكّن من إقصاء المالكي بهذه السهولة لأنه لا يستطيع تحريك القضاء والحكومة لتحقيق هذا الهدف كما أن للمالكي جمهورًا كبيرًا لا يزال متمسكًا به".
لكن الدعمي لا يستبعد "وجود اتفاق سياسي خلف الكواليس لإبعاد المالكي لقناعة القادة الشيعة بتسببه بالتوتر السياسي على الرغم من أن بقاء المالكي لأربع سنوات مقبلة كفيل بتلاشي دوره وعدم قدرته على تحقيق تمثيل نيابي في الانتخابات المقبلة".
ويعتقد الدعمي أن إقصاء المالكي قد يكون صعبًا في الوقت الحالي لكنه سيكون ممكنًا خلال السنوات القليلة المقبلة.
معركة جديدة للمالكي.. أم نهايته؟
يتفق رأي المحلل السياسي دريد الناصر مع رأي أستاذ الإعلام غالب الدعمي بأن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يدرك صعوبة المهمة لكنه في الوقت ذاته لا يستبعد خيار أن تكون المعركة الجديدة بين الزعيمين الشيعيين هي المعركة الأخيرة للمالكي.
ويقول الناصر في حديث لمنصة "جسور"، إن "هدف الصدر هو إقصاء المالكي وحزب الدعوة بأكمله لكن أشك في هذا الهدف الكبير لأن المالكي أثبت أنه لاعب ليس من السهل القضاء عليه وأنه تمكّن من الخروج من كوارث كبرى ارتكبها".
ويضيف، إن "في المعارك السابقة بين الصدر والمالكي كانت هناك تسويات معينة وضغائن وفصول مختلفة لذلك لا يمكن التنبؤ هل أن هذه المعركة ستكون الأخيرة للمالكي أم أنه سيتجاوزها، وقد نرى معارك أخرى بين الطرفين".
دعم الإطار التنسيقي
وعلى الرغم من ترحيب قوى الإطار بالانتخابات المبكرة التي دعا إليها الصدر، غير أن إقصاء المالكي لا يزال مرفوضًا من قبل هذه القوى التي ترى أن قوتها تأتي من قوة المالكي وأن تنازلها عنه سيضعفها كثيرًا.
ويرى المحلل السياسي عمر الشريفي، أن "التاريخ التنافسي بين التيار الصدري وشركائه في البيت السياسي الشيعي لم يكن أمرًا طارئًا وإنما كان مستمرًا على طول خط العمل السياسي منذ 2003 ولاسيما أن التنافس بين زعيم التيار الصدري وزعيم حزب دعوة لكن ما تفاجئ به السيد الصدر هو عدم رغبة بقية الشركاء بالانضمام إلى برنامجه على الرغم من قوته في مجلس النواب وأنهم فضلوا الجانب الذي يجمع كل الشركاء".
ويضيف الشريفي، إن "الإطار التنسيقي الذي يعد عموده الفقري دولة القانون لما يملك من القوة النيابية الأكثر عددًا نسبة إلى بقية شركائه داخل الإطار لم يتجاوب مع دعوات التيار الصدري بإقصاء المالكي التي لم تجد صدى حينما كان الصدر يمتلك الكتلة الأكبر داخل مجلس النواب، ولذلك فهي اليوم أكثر صعوبة في التحقق مع معارضة أطراف الإطار التنسيقي لإقصاء المالكي بعد استقالة نواب التيار الصدري".