تشهد تونس انقساماتٍ سياسيّةً حادّة مذ ضرب الرئيس التونسي قيس سعيّد عصافير سياسية عدة بحجر واحد، بفرض إجراءات استثنائية أبرزها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل البرلمان ومجلس القضاء وإقرار دستور جديد عبر استفتاء تم في 25 يوليو/تموز الماضي، وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وأعلنت حركة النهضة التونسية رفضها للانتخابات البرلمانية المقبلة، انسجامًا مع موقفها الذي يعتبر إجراءات سعيّد الاستثنائية "انقلابًا على دستور 2014، بينما ترى قوى تونسية أخرى في هذه الإجراءات "تصحيحًا لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي.
انتخابات نيابية مبكرة
فصل جديد من الكباش السياسي التونسي عنوانه الانتخابات البرلمانية المبكرة التي تشكل أحدث حلقة في سلسلة الإجراءات الاستثنائية التي فرضها سعيد في 25 يوليو/تموز 2021.
وسط هذه الأجواء، أكدت حركة "النهضة" في تونس أنها طلبت من أعضائها عدم المشاركة في الانتخابات التشريعية المبكرة في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، معتبرة أنها "مخالفة لكل المعايير الدولية". وقال عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة نزار الحبوبي إن الحركة "تمنع انخراط أو ترشح أي عضو من أعضائها للانتخابات التشريعية، وتطالب منخرطيها بعدم تزكية أي مترشح ضمن سياسة مقاطعة الانتخابات، وأن تونس لن تستقر سياسيًا ولا اقتصاديًا طيلة المدة المقبلة، وهو ما جعلنا نعلن مقاطعتنا للانتخابات".
في المقابل، اعتبر المحلل السياسي التونسي باسل ترجمان في حديث لـ"جسور" أن "حركة النهضة على دراية تامة بأن هزيمة مدوية ستُلحق بكل مرشح في صفوف النهضة في حال ترشح الى الانتخابات النيابية المبكرة الشهر المقبل، ذلك أن الشعب التونسي يُحمل "النهضة" مسؤولية ما آلت اليه البلاد خلال السنوات الماضية".
وأضاف "الانتخابات المقبلة لا تنتهك المعايير الدولية"، سائلا "هل المعايير التي أوصلت مجالس النواب السابقة حسب قانون انتخابات عام 2011 الذي سمح للصوص أن يكونوا أعضاءً في البرلمان مطابقة للقوانين الدولية؟ والأكيد أن تصريحات "النهضة" لا قيمة لها فالحزب لم يعد يملك قاعدة شعبية، وليس بمقدوره أن يعرقل الانتخابات المبكرة التي ستفتح صفحة جديدة في تاريخ تونس".
وضع متأزم
وأكدت حركة النهضة أن الوضع العام في تونس متأزم، وأن سعيّد "لن يعقد انتخابات رئاسية في 2024 بل سيلجأ إلى تأجيلها والتمديد لنفسه والتعويل على مرسوم الخطر الداهم مرة أخرى".
لكن أشار ترجمان الى أن "الحديث عن تأجيل الانتخابات الرئاسية المقبلة بمثابة محاولة من نائب رئيس حركة النهضة علي العريض للهروب من استحقاق عقد مؤتمر "النهضة" الذي يتأجل مرارا وتكرارا بينما كان من المفترض أن يلتئم عام 2020، لأن رئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي يرفض التنازل عن رئاسة الحركة حتى ولو أدى ذلك الى مزيد من التفكك داخل الحزب، وبالتالي التطرق الى تأجيل الانتخابات الرئاسية يهدف الى التشويش وغض النظر عن الأزمة الداخلية التي تعصف بحزب النهضة."
وتابع "الدفع بورقة تأجيل الانتخابات الرئاسية لا قيمة له خصوصًا أن سعيّد يحترم تعهداته، وحصول الانتخابات التشريعية الشهر المقبل في موعدها خير دليل على مصداقيته."
هذا وجددت النهضة موقفها من انقلاب 25 يوليو /تموز 2021 مشيرة الى أن الانقلاب أعاد البلاد إلى ما وراء الوراء، ولم يكن مسارًا تصحيحيًا أو مسار إصلاح كما توهّم البعض. وجاء ذلك في كلمة لنائب رئيس الحركة علي العريض، خلال مؤتمر صحافي في العاصمة تونس، موضحًا أن صورة تونس أصبحت مشوّهة في المحافل الدولية. وأضاف: "يقع استهداف مضاعف لحركة النهضة وقياداتها ورئيسها، ووراء ذلك إرادة انتقام وتنكيل بسبب موقفها الثابت من الانقلاب منذ حصوله."
تشرذم سياسي
وصعّد الرئيس التونسي قيس سعيّد خطابه ضد معارضيه في الأيام الأخيرة، واصفًا إياهم بشتى النعوت، ما فُهم منهم أنه تعبير عن حال العزلة التي يعيشها، فيما تستنكر المعارضة كل تصرفات سعيّد، وتتخوف من زوال قيم الديمقراطية.
وكان سعيّد قال إنهم (في إشارة واضحة إلى حزب النهضة)"يلتقون في العواصم الغربية للتآمر على وطنهم، هؤلاء عملاء لا أكثر ولا أقل، يلتقون مع الجهات المشبوهة ويتلقون الأموال المشبوهة، هم باعوا ضمائرهم وأوطانهم، وهم يتاجرون في المخدرات ويتاجرون مع المخابرات، ثم بعد ذلك يتحدثون عن الوطنية ويتهموننا بالديكتاتورية".
وفي لقاء مع وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي، على خلفية أزمة تكدس النفايات في مدينة صفاقس، ثاني كبرى مدن البلاد، قال سعيّد إنّ "من يتحدث عن إسقاط الدولة فهو في مزبلة التاريخ ومكانه القمامة التي تركها تتراكم على مدى أسابيع وأشهر".
وتظاهرت نقابات عمّالية وعدد من أهالي مدينة صفاقس التونسية أمام مقر المحافظة، للاحتجاج على تراكم النفايات وحرقها في شوارع المدينة، فيما رفع المحتجّون في صفاقس شعارات تندّد بما وصفوه بإهمال السلطات تجاه تدهور الوضع البيئي في المدينة، كما طالبوا بإقالة المحافظ، بسبب عدم معالجة تراكم النفايات منذ أكثر من عام.