جدل في لبنان والسعودية والإمارات، حيال تصريحات سابقة أدلى بها أحد وزراء الحكومة اللبنانية الجديدة؛ مما قد يسبّب أزمة بين بلدان الخليج ولبنان، إلا أن الوزير أصر على موقفه.
وفي مقابلة سابقة معه، تم نشرها الثلاثاء، انتقد وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي دور السعودية والإمارات في حرب اليمن. كما دافع بشدّة، خلال الحوار، عن الرئيس السوري بشار الأسد، ومتمنيّاً حصول انقلاب عسكري في لبنان.
إثر الجدل الذي أثارته التصريحات، علّق وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، الأربعاء، بعد إجتماع المجلس الوطني للإعلام في لبنان، مصرّحاً "الحلقة التي أثارت الجدل مؤخراً تم تصويرها في الخامس من آب أي قبل تعييني وزيراً"، وأضاف "عندما يطالبني أحدهم بالاستقالة أقول له إنني اليوم جزء من حكومة متراصّة ولا يمكن أن أتخذ قرارا لوحدي". واعتبر أنه "لا يجوز أن يكون هناك من يُملي علينا ما يجب القيام به من بقاء وزير في الحكومة من عدمه ألسنا في بلد سيادي؟ وأنا لم أخطئ لأعتذر".
تفاصيل المقابلة
وزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي، الإعلامي وصاحب البرامج التلفزيونية الداعية إلى التسامح (المسامح كريم)، قد لا ينتهي الجدل بشأن تصريحاته بتسامح ومصالحة واعتذار.
التصريحات اقتطعت من مقابلة لقرداحي، ضمن "برلمان الشباب"، عبر قناة الجزيرة اونلاين. هذه التصريحات التي تمّ تداولها بشكل كثيف عبر مواقع التواصل، أثارت ردود فعل معارضة لكلامه، في لبنان والدول الخليجية.
فقد انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو لحلقة صوّرت مع قرداحي في 5 أغسطس / آب 2021. اي قبل شهر من تشكيل الحكومة في لبنان، برئاسة نجيب ميقاتي، في 10 سبتمبر / أيلول 2021، التي عيّن قرداحي وزيرا للاعلام فيها.
في المقابلة تمنّى قرداحي حصول انقلاب عسكري "مؤقّت" في لبنان. كما دافع عن الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه بشدة، رغم التأكيدات من قبل المشاركين أنه "متهم بقتل أبناء شعبه وسجنهم وتدمير مدنهم وتهجيرهم"، وفق تعبيرهم.
وقال قرداحي خلال مقابلته، إن "ما جرى في سوريا ليس ثورة شعبية إنما مؤامرة كونية شنها العالم ضدها"، لافتاً إلى أنه رأى على الشاشات "التنكيل بالجيش السوري".
لكن تصريحه حول الحرب في اليمن، كان الأكثر إثارة للجدل. وفي معرض ردّه على سؤال، خلال المقابلة، اعتبر أن الشعب اليمني "يدافع عن نفسه، هل يعتدون على أحد؟ في نظري هذه الحرب اليمنية عبثية ويجب أن تتوقف".
عندها اعترضته مقدمة البرنامج، قائلة: "الحوثيون يطلقون الطائرات المفخخة المسيرة باتجاه الأراضي السعودية"، فردّ قرداحي: "ونرى الأضرار التي تلحق بهم في بيوتهم وجنازاتهم وأفراحهم، وأنهم يُقصفون بالطائرات.. حان الوقت لهذه الحرب أن تتوقف لأنها عبثية". واعتبر قرداحي أن "الحوثيين يدافعون عن أنفسهم في وجه اعتداء خارجي".
ووجه أحد الحضور سؤالاً لقرداحي: "هل تعتبر أن الإمارات والسعودية تعتديان على اليمن؟"، فكان ردّه: "أكيد فيه اعتداء، ليس لأنهم السعودية أو الإمارات، ولكن لأن هناك عدوان منذ 8 سنوات مستمر، وما لا تستطيع تنفيذه في عامين أو ثلاثة لن تستطيع تنفيذه في 8 سنوات".
وفي ختام الحلقة، وفي فقرة منح الثقة أو حجبها للضيف، قال أحد المشاركين عن قرداحي: "اعلامي كبير لا يُدرك مدى تأثيره، متصالح مع الدماء ويعطي تصاريح بناء على لا شيء بكل ارتياح، أمتنع عن منح الثقة"، وقال آخر: "سخّر هذه الشهرة لمدح القتلة والمجرمين وللدفاع عنهم وتبنّي روايتهم، أحجب الثقة".
توضيح أمس وإصرار اليوم
هذه التصريحات، أثارت غضب الناشطين السعوديين والإماراتيين، الذين استحضر بعضهم فيديو سابق لقرداحي وهو يشيّد بالسعودية، معتبرين أنه قام بتغيير مواقفه حالياً، لمجاملته "حزب الله" اللبناني، لتسميته وزيراً في الحكومة (صُوّرت المقبالة قبل تشكيل الحكومة في لبنان).
وللتوضيح، غرّد قرداحي عبر حسابه على تويتر، الثلاثاء (أمس)، قائلاً: "أولًا، هذه المقابلة أجريت في الخامس من شهر آب/ أغسطس الماضي، أي قبل شهر من تعييني وزيراً في حكومة الرئيس ميقاتي"، مؤكّداً أنني "لم أقصد ولا بأي شكلٍ من الأشكال، الإساءة للمملكة العربية السعودية أو الامارات اللتين أكنّ لقيادتيهما ولشعبيهما كل الحب والوفاء"، متّهماً الجهات التي تقف وراء هذه الحملة أنها اصبحت معروفة، "وهي التي تتهمني منذ تشكيل الحكومة بأني آت لقمع الاعلام"، مشيراً إلى أن "ما قلته بأن حرب اليمن اصبحت حرباً عبثية يجب ان تتوقف ، قلته عن قناعة ليس دفاعاً عن اليمن ولكن أيضاً محبةً بالسعودية والامارات وضناً بمصالحهما".
لكن قرداحي، قال الأربعاء (اليوم)، إنه "لا يجوز أن يكون هناك من يُملي علينا ما يجب القيام به من بقاء وزير في الحكومة من عدمه ألسنا في بلد سيادي؟ وأنا لم أخطئ لأعتذر".
أزمة ديبلوماسية
واعتبرت مصادر سعودية أننا "أمام أزمة دبلوماسية حادة بسبب تصريحات قرداحي". ولم يصدر أي تصريح عن سفير المملكة العربية السعودية في لبنان، وليد البخاري، الذي أعاد نشر تغريدة تتحدث عن اثارة تصريحات وزير الاعلام جورج قرداحي لأزمة دبلوماسية حادة، وذلك بمعزل عن توقيت تسجيل المقابلة، أكانت حديثة ام قديمة.
كما قام البخاري بزيارة نظيره اليمني في بيروت، للتأكيد على وحدة موقف البلدين.
وعبّر الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، نايف فلاح مبارك الحجرف، عن رفضه التام جملة وتفصيلا لتصريحات قرداحي، "التي تعكس فهماً قاصراً وقراءة سطحية للحوادث في اليمن"، مستنكراً "تعرض الوزير اللبناني لكل من المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية، ودولة الإمارات العربية المتحدة خلال حديثه متهماً إياهما بالاعتداء على اليمن، في الوقت الذي يعمل التحالف العربي لدعم الشرعية على إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح قبل الانقلاب الحوثي على الشرعية في سبتمبر/ ايلول 2014".
وطالب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، وزير الإعلام اللبناني بعدم قلب الحقائق، كما طالبه بالاعتذار عما صدر منه من تصريحات مرفوضة، مؤكداً بأن على الدولة اللبنانية أن توضح موقفها تجاه تلك التصريحات. كما طالب قرداحي أيضاً، بـ"الرجوع إلى الحقائق التاريخية وقراءة تسلسلها ليتضح له حجم الدعم الكبير الذي تقدمه دول التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم الشرعية للشعب اليمني في المجالات والميادين كافة".
واستنكر الفالح دفاع وزير الإعلام اللبناني عن جماعة الحوثي الانقلابية في الوقت الذي يتجاهل فيه تعنت الحوثي ضد كل الجهود الدولية الرامية لإنهاء الأزمة اليمنية، وفي الوقت الذي تستهدف جماعة الحوثي السعودية بالصواريخ والمسيرات، وفي الوقت الذي تستهدف جماعة الحوثي أبناء الشعب اليمني الأعزل وتمنع وصول المساعدات الإغاثية للمناطق المنكوبة.
بدوره، علّق وزير الاعلام السعودي، معمر الإرياني، على ما قاله نظيره اللبناني مطالباً الحكومة اللبنانية "وشعب لبنان الشقيق بتحديد موقف واضح من تلك التصريحات التي تسيء لعلاقات البلدين، وتخالف الموقف الرسمي اللبناني والإجماع العربي والإقليمي والدولي في دعم الحكومة الشرعية والشعب اليمني في معركة استعادة الدولة وإسقاط الانقلاب،وكذا القرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة اليمنية"، مستغرباً التصريحات الصادرة عن قرداحي، و"التي تعكس جهلا فاضحا بالشأن اليمني، وانحيازا اعمى لمليشيا الحوثي الارهابية، وتجاهلا لدور نظام ايران واجندته التوسعية باليمن والمنطقة، في إدارة الانقلاب وتفجير الحرب وتقويض جهود التهدئة ووقف إطلاق النار واحلال السلام".
بدوره، أعلن السفير اليمني في لبنان عبد الله الدعيس، خلال استقباله السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، أنه سيتوجّه إلى وزارة الخارجية اللبنانية لتقديم احتجاجا على ما صدر عن وزير الإعلام "ونحن نستنكر هذا الكلام وتصريحه بالأمس زاد الطين بلّة إذ لم يقدّم أي اعتذار بل أكّد على ما أدلى به".
وفي السياق أصدر وزير الخارجية اليمني، أحمد بن مبارك، اليوم الأربعاء، توجيهات إلى السفير اليمني في بيروت، بتسليم الخارجية اللبنانية رسالة استنكار بشأن تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي. واعتبر بن مبارك، أن "هذه التصريحات تعد خروجاً عن الموقف اللبناني الواضح تجاه اليمن وإدانته للانقلاب الحوثي ودعمه لكافة القرارات العربية والأممية ذات الصلة".
الموقف اللبناني
بدوره، أكد رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، تمسّك لبنان بروابط الاخوة مع الدول العربية الشقيقة والمحددة بشكل واضح في البيان الوزاري للحكومة التي ينطق باسمها ويعبر عن سياستها وثوابتها رئيس الحكومة والحكومة مجتمعة.
وأوضح ميقاتي، في بيان، أن كلام قرداحي "مرفوض ولا يعبّر عن موقف الحكومة اطلاقاً، خصوصاً في ما يتعلّق بالمسألة اليمنية وعلاقات لبنان مع أشقائه العرب وتحديداً الاشقاء في المملكة العربية السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي". وشدّد ميقاتي على أنه والحكومة "حريصون على نسج أفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ويدينون اي تدخل في شؤونها الداخلية من أي جهة أو طرف أتى".
هذا وأعلنت وزارة الخارجية والمغتربين أن "كلاماً شخصياً صدر سابقا عن وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي قبل تعيينه وزيرا ونشر الثلثاء"، مؤكدةً أن "كلامه لا يعكس موقف الحكومة اللبنانية الذي عبر عنه رئيسها في البيان الصادر الثلثاء ولا بيانها الوزاري الذي يتمسك بروابط الأخوة مع الأشقاء العرب".
وأشارت الخارجية اللبنانية، في بيان، الى أنه وكما كانت قد ادانت مراراً وتكراراً الهجمات الارهابية التي استهدفت المملكة العربية السعودية، فهي لازالت عند موقفها في المدافعة عن أمن وسلامة اشقائها الخليجيين التي تكن لهم كل محبة واحترام وتقدير، وتنأى عن التدخل في سياساتهم الداخلية والخارجية.
يُذكر أن موقفاً مشابهاً، حصل مع وزير الخارجية اللبناني السابق شربل وهبة، بعد تعرّضه خلال مقابلة تلفزيونية، بكلام مسيء للشعب السعودي، وأدّت تصريحاته حينها إلى جدل مماثل، انتهى باستقالته من منصبه.