كبح الغزو الروسي لأوكرانيا، فرص انتعاش الاقتصاد العالمي المتأثر أصلا من جراء وباء كورونا، فقد فاقمت التوترات الجارية بين موسكو وكييف ضغوط التضخم العالمية، والمرتفعة بالفعل، خصوصاً إذا ما استمر ارتفاع أسعار الطاقة، والسلع الزراعية الأساسية، بسبب مخاوف الحرب.
وفي هذا الصدد، حذرت مديرة صندوق النقد الدولي في وقت سابق من احتمالية ارتفاع معدلات التضخم العالمي بسبب الصراع الدائر بين الجارتين، ومن المقرر أن تؤدي التوترات الجيوسياسية المتزايدة إلى تفاقم الامر واختناقات سلاسل التوريد.
ويجمع خبراء اقتصاديون على أن الآثار المباشرة لانخفاض التجارة مع روسيا، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من المرجح أن تؤثر على الثقة التجارية وأسواق السلع.
وفي هذا الإطار، أكدت الخبيرة الاقتصادية ليال منصور، في حديث لـ"جسور"، أن أي ارتفاع في أسعار النفط من الممكن أن ينعكس تضخماً في كل شيء، والتوترات الجيوسياسية تؤدي إلى نقص في مادة النفط الإستراتيجية وارتفاع أسعاره نظرا لنقص المعروض.
فخلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط من العام الحالي، شهدت أسعار خام النفط ارتفاعات قياسية متخطية حاجز الـ90 دولاراً للبرميل، كأعلى مستوياتها في السنوات السبع الاخيرة ، وقد تستمر الأسعار في الارتفاع في ظل التصعيد العسكري بين الجانبين.
ومن المحتمل حدوث ارتفاع مفاجئ يصل إلى 10 دولارات في سعر برميل النفط الخام، حال أقدمت روسيا على خطوات متقدمة اكثر في أوكرانيا، وفقاً لبعض التقديرات.
أسعار السلع تحلّق
وتلعب كلّ من روسيا وأوكرانيا دوراً جوهرياً في استقرار الأمن الغذائي العالمي، وهما يسهمان معاً بنحو ربع الصادرات العالمية من الحبوب، ومن المتوقع أن تصل صادرات روسيا وأوكرانيا من القمح للسنة التسويقية 2021 – 2022 الى 23% من إجمالي الصادرات العالمية، وفقاً لتقديرات مؤسسة "ستاندرد آند بورز".
ونتيجة المخاوف من انقطاع إمدادات الحبوب بسبب التوترات الجارية، ارتفعت العقود الآجلة للقمح على المستوى العالمي بنحو 10% منذ منتصف يناير/ كانون الثاني 2022، واقتربت أسعار الذرة أواخر يناير/ كانون الثاني 2022 من أعلى مستوياتها منذ يونيو/حزيران 2021.
وهنا تؤكد منصور لـ"جسور"، أنّ الحرب الطاحنة بين روسيا وأوكرانيا تعرقل إمداد لبنان بمادة القمح وإن وصل ستكون أسعاره مرتفعة جدا أضف إلى ذلك سعر صرف الدولار المرتفع، وهذا سينعكس بطبيعة الحال سلبا على الداخل اللبناني، مضيفة أن الأزمة الروسية الأوكرانية ليست العامل الأوحد المؤثر في ارتفاع أسعار السلع الزراعية أخيراً، فهناك ثمة اعتبارات أخرى متعلقة بظروف الطقس غير المعتادة، والتي قد تؤثر في
حجم إمدادات الذرة عالمياً، فضلاً عن تراجع الصادرات الروسية من القمح بسبب ارتفاع ضرائب التصدير، وفرض حصص على تصدير الحبوب الغذائية.
الرابحون
وفي قراءة سريعة للتداعيات التي ترتبت على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فإن أسعار النفط بلغت 105 دولارات للبرميل، ومن الطبيعي أن تستفيد الدول العربية المصدرة للنفط والغاز من ارتفاع السعر بحسب منصور، فحصة الدول العربية من الصادرات النفطية على مستوى العالم تبلغ 24%.
وتقديرات صندوق النقد الدولي، على مدار السنوات الماضية في سوق النفط، كانت تذهب إلى أن سعر تعادل الميزانيات العامة للدول النفطية العربية يراوح بين 45 دولارا للبرميل في قطر، و100 دولار للبرميل في البحرين، وبينهما الإمارات عند سعر 60 دولارا للبرميل، وفي السعودية 75 دولارا للبرميل، وفي الكويت 65 دولارا للبرميل، خصوصا بعد أزمتها المالية الكبيرة التي ألمّت بها منذ عامين.
ومن ثم، وفق الأسعار المعلنة أخيرا عن ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية، عند 105 دولارات للبرميل، فمعنى هذا أن الميزانيات العربية من المتوقع أن تودع العجز، وتحقق فائضا ماليا من عوائد النفط، وقد يكون بإمكانها الاستغناء عن الديون الخارجية والمحلية، كما يمكنها استعادة ما فقدته من أرصدة احتياطيات النقد الأجنبي.
الخاسرون
وبحسب خبراء اقتصاد، فإن موقف الدول العربية غير النفطية سيكون صعبا في المرحلة المقبلة، لاعتمادها على استيراد جزء كبير من احتياجاتها، وهذا يحمّلها أعباء فاتورة التضخم المستورد في المرحلة المقبلة، ومن ثم زيادة الأعباء المعيشية على مواطنيها.
وفي جانب آخر، فإن هذه الدول تعتمد على الاستيراد في تدبير احتياجاتها من الطاقة، ومن هنا ستزيد مشكلة عجز الموازنة في تلك الدول، وأيضا سيرتفع الدين العام الخاص بها.