يواجه حزب الله في هذه المرحلة تحديًا مهمًا على صعيد العلاقة مع المسيحيين في لبنان، فبعد 17 سنة من التفاهم مع التيار الوطني الحر والذي نجح في ارساء معادلة ايجابية بين الحزب والعلاقة مع طرف سياسي وشعبي مهم على الصعيد المسيحي، ها هي العلاقة مع المسيحيين تعود الى أجواء التشنج والصدام.
ففي ظل تبني حزب الله وحركة أمل لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية كمرشح أساسي لرئاسة الجمهورية وفي مواجهة رفض معظم الاطراف المسيحية الاساسية ( التيار الوطني الحر ، القوات اللبنانية ، حزب الكتائب )، وتوجه الاطراف المسيحية الى تبني ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور والذي يحظى أيضا برضا مبدئي من البطريركية المارونية ، يقف الحزب أمام خيار الصدام مع البيئة المسيحية والتي تشهد أيضا دعوات للفيدرالية والتقسيم ومواجهة دور الحزب داخليا وخارجيا والعمل لتشكيل كتلة مسيحية منظمة للوقوف في وجه سياسات الحزب.
ومن أجل مواجهة هذه الأجواء التصعيدية في البيئة المسيحية، عمد حزب الله خلال الأشهر الماضية الى تعزيز الحوار والتواصل مع عدد كبير من المرجعيات والجهات المسيحية الدينية والفكرية والثقافية، وذلك للوصول الى رؤى مشتركة معها أو للرد على بعض الاشكالات التي تطرحها هذه الجهات أو من أجل ايجاد مساحات مشتركة للتعاون المشترك في العديد من المجالات .
ومن المبادرات المتعددة التي قام بها الحزب خلال الاشهر الماضية لتعزيز الحوار مع البيئات المسيحية يمكن الاشارة الى بعض هذه المبادرات ومنها :
أولاً : تعزيز التواصل والحوار مع البطريركية المارونية بشكل مباشر وقد شهدت العلاقة بين الحزب وبكركي تطورات ايجابية خلال الاشهر الماضية سواء من خلال زيارة وفد من الحزب الى بكركي او اللقاءات الحوارية بين مسؤولين في الحزب والمسؤولين في البطريركية والاجواء ايجابية بين الطرفين ولم نعد نشهد حملات اعلامية او سياسية بينهما، والبطريرك الراعي كان حريصا على الحوار مع الحزب حول كل الملفات .
ثانيًا : التواصل مع العديد من الشخصيات والمرجعيات الدينية سواء على مستوى البطاركة أو المطارنة في كل المناطق اللبنانية وحرص مسؤولو الحزب على زيارة كل البطريركيات المسيحية، وشكّلت زيارة الوفد الديني المسيحي ( الذي يضم مطارنة وكهنة وآباء من البقاع) الى متحف مليتا في الجنوب إحدى نتائج هذا التعاون والتواصل رغم بعض ردود الفعل السلبية من بعض الجهات المسيحية والحزبية.
ثالثًا : التعاون والحوار مع عشرات الشخصيات المسيحية الفكرية والسياسية والحزبية في كل المناطق والتعاون والحوار مع العديد من اللقاءات والهيئات التي تضم شخصيات مسيحية فاعلة ولم يعد لدى الحزب أية اشكالية في الحوار والتواصل مع اية مجموعة ترغب بالحوار معه رغم وجود بعض التحفظ على الحوار حول الفيدرالية والحياد والاستراتيجية الدفاعية وهذه موضوعات تثير نقاشات حارة لدى البيئات المسيحية.
رابعًا : المشاركة في الندوات والمؤتمرات الحوارية التي دعي إليها المسؤولون في الحزب، ومنها المشاركة في مؤتمر مجموعة " لبنانيون من أجل الكيان" والحوار مع عدد من الشخصيات اللبنانية في مؤسسة الوزير السابق ابراهيم نجار ودعم مشروع "منتدى التفكير الوطني" الذي تشارك فيه شخصيات لبنانية متنوعة ويحظى بدعم خاص من بكركي والمشاركة في اللقاء الوطني الجامع الذي عقد في بكركي قبل اسابيع بدعوة من المنتدى وملتقى الأديان والثقافات والمنسقية العامة لشبكة السلم الاهلي، وغير ذلك من المبادرات الحوارية.
خامسًا: انفتاح الحزب على كل الدعوات الحوارية سواء حول الانتخابات الرئاسية أو الموضوعات الاخرى واستقباله لعدد كبير من الشخصيات المرشحة للرئاسة وعدم إقفال الباب أمام أي خيار رغم إعلان موقفه الداعم لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية .
لكن رغم كل هذه الاجواء الحوارية فإن بعض مواقف مسؤولي الحزب حول الانتخابات الرئاسية وعدم التعاطي الايجابي مع ترشيح بعض الجهات المسيحية الأساسية للوزير السابق جهاد ازعور، كما الردود القاسية التي يطلقها أحياناً المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان ضد مواقف البطريرك الراعي تثير الشكوك داخل البيئات المسيحية حول جدية الحزب في الحوار وحرصه للوصول الى تسوية شاملة للازمة اللبنانية.
وقد تكون هذه المرحلة السياسية في لبنان مهمة جدا في ظل التسويات والاتفاقات في المنطقة، فإما ينتهز اللبنانيون ومنهم طبعا حزب الله وحركة أمل هذه الفرصة للوصول الى توافق داخلي مع بقية الاطراف، وطبعا هذا يتطلب استعداد هذه الاطراف الى الوصول الى مثل هذه التسوية وهذا يساعد في انقاذ لبنان من ازماته المختلفة ؟ أو أن أجواء التصعيد والتحدي تستمر ونعود مجددا الى الصراعات الداخلية وننسف كل المبادرات الحوارية.
فأي الخيارات سيلجأ إليها حزب الله وحركة امل؟ وهل سيلاقيهما المسيحيون في منتصف الطريق؟ او نعود الى اجواء الحرب الاهلية الصامتة مجددا؟