ترقّب كبير تعيشه مناطق جنوب سوريا بخصوص التطورات الأخيرة هناك، حيث تكثُر التحرّكات العسكرية بين مختلف الأطراف المتنازعة والقوّات التابعة لها، خصوصاً على الحدود الأردنية –السورية التي تمتدّ لمسافة 375 كلم.
ماذا يحدث في درعا والقنيطرة والسويداء خصوصاً بعد 7 تشرين الأول من العام الماضي؟ ماهي القوى العسكرية الفاعلة في الجنوب السوري؟ هل أهمّها إيران ومن يتبع لها؟ أم أنّ بعض القوّات المحليّة المعارضة وروسيا كذلك موجود هناك؟ الضربات الأردنيّة الأخيرة لجنوب سوريا والسويداء هل استهدفت تجّارة المخدّرات أم أن هناك أسباباً أُخرى؟
جنوب سوريا على حافة التوتّر!
بعدَ حوالي خمس سنوات من "الهدوء النسبيّ" الّذي شهدهُ الجنوب السوريّ، إثرَ توقيع فصائل المعارضة المسلحّة عام 2018 اتفاق مصالحة مع النظام بوساطَة روسيّة، عادت تلكَ المنطقة إلى واجهَة الحدَث السوريّ عبر تحرّكات عسكريّة متعدّدة الأطراف والمصالِح، خصوصاً بعدَ عمليّة "طوفان الأقصى" بداية تشرين الأول الفائت.
ويضمّ الجنوب السوريّ ثلاث محافظات مهمّة وحيويّة "القنيطرة-درعا-السويداء"، وتقول مصادر إعلاميّة مطلعة لـ “جسور" إنّ التحرّكات العسكريّة جنوباً بشكل أساسي تحت سيطرة إيران وحلفائها، لكِن في الأيام القليلة الماضية بعد الضربات الأردنيّة على ريف السويداء من جهة، وتصاعد التجنيد والتسليح لصالح للقوّات التابعة لإيران في ريف درعا والقنيطرة من جهة أُخرّى، القوّات الروسيّة تعود لأخذ دورها الفاصِل إن صحّ التعبير بين حليفتها طهران وبينَ قوّات المُعارضة وغيرها.
ويضيف المصدر إنّ روسيا بذلِك تُريد عدم اشتعال جبهة الجنوب السوريّ ودخولِها في الصراع الإسرائيلي-الإيراني القائم في مناطق عربيّة عدّة، ويضيف: الوجود العسكري الإيرانيّ يأتي بشكل غير مباشر عبرَ ميليشاته التابعة له على الحدود السوريّة الفلسطينّية المحتلّة، وحصلَ منذُ طوفان الأقصى إطلاق بعض القذائف والصواريخ المحليّة الصنع من المنطقة المُحاذية للجولان المحتلّ وأيضاً ريف القنيطرة، باتجاه أراضي الاحتلال الإسرائيلي الّذي ردّ بالإعتداء على مناطق إطلاق النّار في الجنوب، كذلك على مطار دمشق وحلب، لذلك لا الدولة السوريّة ولا روسيا تفضّل مشاركة إيران بمعارك خارج أرضها مع إسرائيل خصوصاً بظلّ وضع البلاد غير المستقرّة والّتي لا تحتمل حرباً بالوقت الراهن، ونحن كما يُقال في الجنوب على حافّة الهاوية حالياً.
يُذكر أنّ القوات الروسيّة عزّزت تواجدها بالجنوب السوريّ، حيث أعلنت مصادر إعلاميّة عن زيادة عدد نقاط المراقبة والتفتيش التابعة لروسيا كما أكّدت عودة الطيران الروسيّ للتحليق في المناطق الحدودية الجنوبيّة.
كذلِك يبلُغ عدد المواقع العسكريّة للقوّات الإيرانيّة وميليشياتها حوالي 80 موقعاً، موزعةً على مُدن وأرياف درعا والسويداء والقنيطرة.
توتّر وضرَبات أردنيّة على السويداء بسبب المخدّرات!
تدخُل الانتفاضة الشعبيّة في السويداء شهرهَا الخامس وفق شعارات منها لتحسين الوضع المعيشيّ وتُطالب برحيل النظام، وأُخرى ترفع شعارات مثل خروج إيران ومليشياتها.
لكِن منذُ أسبوع تقريباً شهدت بلدة عُرمان جنوب السويداء، قضفاً جوياً أسفر عن مقتل 10 مدنيّين بينهم أطفال ونساء. وأشارت مصادر إعلاميّة الى أنّ طائرات حربيّة أردنيّة هي المسؤولة عن القصف، فيما لم تؤكّد أو تنفي الأخيرة ذلك.
ويقول حازم لـ “جسور" أحد المتظاهرين في مدينة السويداء إن المظاهرات مستمرّة حتّى تحقيق أهدافها، لكن هناك استياء شعبيّ من قصف الأردن لمدنيين لا ذنب لهم بتجارة المخدّرات، فجميع سكّان السويداء مع مُلاحقة وطرد تجّار المخدّرات المرتبطين بقوات وميلشيات إيرانيّة وغيرها من قوى أمنيّة، وأعلن الشيخ حكمت الهجري عن مدّ يده للأردن للتنسيق في الحرب ضدّ المخدّرات، لكن قصف عُرمان بهذه الطريقة غير مقبول وذلك بحسب تعبيره.
وكان الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في السويداء الشيخ حكمت الهجري، قد أعلنَ عن تأييده للضربات الأردنيّة المُستهدفَة لـ تجّار المخدّرات في سوريا، حيث قال: (عدّونا وعدوّ الأردن واحد).
وجاء كلام الشيخ الهجري قبل أيّام قليلة من قصف عرمان، وذلك خلال استقباله وفداً من القُرى الجنوبية لمحافظة السويداء، من أهل المناطق الحدودية مع الأردن تحديداً، وناشدَ سلطات الأردن بأن تتحقّق قبلَ إلحاق الضرّر بالمدنيّين، مضيفاً أنّ معالجة مشكلة تهريب المخدّرات يجب أن تكون بعيداً من أماكن المدنيّين.
وخلال المظاهرات المستمرّة في مُختلف أنحاء السويداء، رفعَ العديد من المُتظاهرين شعارات تندّد بالقصف الأردنيّ، ويقول حازم حولَ تبِعات الأمر في الفترة المقبلة: ( لا أعتقد أن يحصل خلاف كبير مع الأردن لأنّه حاليا هناك مبادرات شعبيّة مثل مبادرة "حركة رجال الكرامة" التّي أكدت استعدادها للتعاون مع الأردن لملاحقة مهربيّ المخدّرات.. لكن الشيء الّذي من الصعب حلّه هو أنّ أولئك تجّار الممنوعات المنتمين بأغلبهم إلى إيران وأتباعها، وهم ما زالوا موجودين في بعض مناطق السويداء، وحالياً الأردن بصدام غير مباشر مع تلكَ القوى، وذلك صراع غير مُعلن لكّنه خطير مستقبلاً على محافظة السويداء، بالأخصّ مع محاولة النظام العودة لإشعال الفوضى بمنطقتنا لكي يعود ويسيطر عليها.. عوامل عدّة تقول إنه في أيّ لحظة يمكن أن يتصعّد الأمر، لكن رغمَ ذلك أهل السويداء مستعدّين لأي سيناريو مُحتمل).
وكانت وسائل إعلام محليّة سوريّة قد نقلَت عن حركة رجال الكرامة في السويداء، استعدادها لمُلاحقة المتورّطين وعمليات تهريب المخدّرات، مشيرةً في الوقت نفسه إلى ضرورة وقف الأردن للعمليّات العسكريّة في المدينة وذلك حفاظاً على أرواح المدنيين.
يذكر أنّ "حركة رجال الكرامة" من أكبر وأبرز التشكيلات العسكرية في السويداء، حيثُ استطاعت القبض خلال الأشهر الماضية على تجّار ومروّجين ومهربين للمخدّرات وحبوب الكبتاغون.
تصعيد دبلوماسيّ "سوريّ-أردنيّ"
تطورٌ مُلفت حصل على الصعيد الدبلوماسيّ بين الأردن والخارجية السورية التي أعلنت بعد صمت لأيّام من حادثة عرمان، عن أن دمشق تشدّد على أنّه لا مبرّر لتلكَ العمليّات العسكريّة داخل الأراضي السوريّة، كما تؤكّد في الوقت نفسه محاولة احتوائها حرصاً على عدم التوتّر أو التأثير على استمرار العلاقة الأخويّة مع الأردن، وذلك بحسب تعبيرها.
لكِن وفي تصريحٍ "مُفاجئ" بتوقيتِه، أشار بيان وزارة الخارجيّة السورية الى أن (دمشق عانَت من تدفّق عشرات آلاف الإرهابيّين والأسلحة انطلاقاً من دول مُجاورة ومنها الأردن)، وسوريا أصرّت لعدم اللجوء على ردود أفعال تؤثّر على "مصالح الشعبين".
من جهتِه جاءَ بيانُ الخارجيّة الأردنية رافضاً لما ورد في بيان نظريتها السورية، حيثُ قالَ إن الأردن لم يكن مصدراً لمرور الأسلحة و"الإرهابيين" إلى أراضيها.. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إن بلدهُ كان أول من تصدى للإرهابيين وسيبقى صمّام آمان ودعم وإسناد لسوريا الشقيقة ولشعبها في درعا والسويداء المجاورتين، وفي كل أنحاء سوريا.
وفيما يبدو جواباً حاسماً على استمرار الأردن على حماية أراضيها من مهربي المخدرات، أضاف البيان: تهريب المخدرات والسّلاح عبر الحدود السوريّة إلى الأردن خطر يهددّ الأمن الوطني، والأردن سيستمرّ في التصدّي لهذا الخطر ولكلّ من يقف وراءَه.
وبحسَب تقاريرَ إعلاميّة "أوروبيّة وأميركيّة" إنّ سوريا باتَت الموقع الأساسيّ لتجارة المخدّرات في الشرق الأوسط، والّتي تدرّ مليارات الدولارات عبرَ طُرق عُبور عدة، منها الأردن الّذي يعتبر طريقاً رئيسيّاً لحبوب "الكبتاغون" خصوصاً الّتي تهرّب إلى دول الخليج العربيّ.
الجنوب السوريّ حالياً يُعتبر من المناطق "الساخنة" أمنياً وعسكرياً وحتّى شعبياً عبرَ استمرار انتفاضة السويداء، وتزيد سخونَة الأجواء دخول الأردن على "خطّ" التصعيد المباشر مع مهربيّ المخدّرات و"غير المباشر" مع النظام وإيران والتابعين لها، كما يدلّ عودة روسيا إلى "ضبطِ" الأمور على الحدود الجنوبيّة السوريّة، على أنّ الوضع ما زالَ متوتراً والأمور لا يُعرف إلى أين تتجّه من حيث "شدّة" التصعيد.