في تصريحٍ لافت، قال السفير البريطاني في العراق ستيفن هيتشن، إن الاكتظاظ السكاني في العراق ينذر بكارثة اقتصادية خطيرة وهو جزءٌ من التحدي الأوسع الذي يواجه العراق، حيث إن الموارد النفطية لن تكفي 70 مليون نسمة في حال وصول العراقيين لهذا الرقم في السنوات المقبلة في ظل استمرار ريعية الاقصاد العراقي واعتماده على النفط فقط!
لم يبق الكثير من الأعوام حتى تصل العراق بتعدادها السكاني للـ 70 مليون نسمة كما توقع السفير البريطاني ذلك خلال الـ20 عاما القادمة، بعد أن كنا في نهاية الحرب العراقية-الإيرانية لا نتجاوز 16 مليون عراقي فقط.
الانفجار السكاني هذا غير محسوب العواقب، ينذر بكارثة اقتصادية كبيرة لا يلتفت لها العديد من الأشخاص، وأولهم الساسة العراقيون الذين تهمهم القبض على السلطة أكثر من اهتمامهم بمصير الدولة. ويرى المراقبون الاقتصاديون، أن استمرار الاقتصاد الريعي لهذا البلد والاعتماد فقط على النفط، سيعني أن العراق يسير بخطى سريعة نحو أزمة اقتصادية حقيقية ستواجهه خلال 10 سنوات فقط وربما أقل.
بالأرقام..
يُصدر العراق قرابة أكثر من 3 مليون برميل نفط يوميًا، وفي أحسن الأحوال سيصدر 4 ملايين برميل أي وفي أفضل السيناريوات تقديرا يكون العراق أمام معادلة تصدير 120 مليون برميل إن سمحت أوبك بذلك.
قيمة واردات الـ 90 مليون برميل التي تصدرها العراق حالياً، ان حدثت معجزة ووصل سعر برميل النفط إلى 100 $ (وهو رقم شبه مستحيل طبعاً) فأن واردات البلاد الشهرية ستكون قرابة 9 مليار دولار أي نحو 120 مليار دولار سنوياً، وهذا الرقم هو محض خيال لا اكثر، ومتفائل بـ 10 أضعاف ممن تفائل بصعود سعر وإنتاج النفط في السنوات القادمة، و إلا فأن واردات العراق لن تصل إلى نصف هذا الرقم.
وهنا يتعين علينا النظر إلى عدد الموظفين المتوقع بعد مرور عشر سنوات أو أكثر. وفي حال استمرار المواطن العراقي في التفكير بالتوظيف الحكومي فقط، يتعين تقدير الحاجة المستقبلية لتخصيص الرواتب. يظهر أن السياسة الحكومية تقدم أقصى مستوى من التوظيف الحكومي دون اعتبار للكفاءة، بهدف تأمين دعم الناخبين الطامحين لفرص التوظيف في القطاع الحكومي. وكم يحتاج العراق لأموال لاستيراد الغذاء لإطعام 70 مليون عراقي في ظل غياب القطاع الزراعي؟
وكم يحتاج العراق لإنتاج طاقة كهربائية في ظل انفجار عمراني بسبب الانفجار السكاني وما يواكب ذلك من ارتفاع كلفة انتاج الطاقة الكهربائية مع زيادة الاستهلاك؟!
الخلاصة..
لن ينهض العراق من أزماته الحالية، والموت الاقتصادي المُحتم مستقبلاً أن لم يدرك ساسته أن النفط سينتهي دوره في السنوات القليلة القادمة، فدول أوروبا وأمريكا وشرق آسيا اتجهت بشكل كبير للطاقة (النظيفة) البعيدة عن مشتقات البترول. وهناك شركات سيارات كبرى لديها تصاميم جديدة لسيارات تعمل على الكهرباء تنتجها بدءاً منذ عام 2023 لتُنهي حكاية أكثر من قرن كامل من الاعتماد على البنزين والمازوت.. ومن هذه الشركات "فولفو" السويدية فضلاً عن سيارة تسلا الكهربائية وغيرها..
سيكون النفط قريبًا سلعة رخيصة لا حاجة لها إلا في بعض الصناعات وسيكون بذلك سعره لا يتجاوز الـ40 دولاراً وربما أقل بكثير مع أول انكماش اقتصادي للنفط مع زيادة الطلب على الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على النفط، أي أن الأرقام التي كتبتها أعلاه عن مواردنا الشهرية و السنوية من النفط ستكون مجرد اضغاث احلام.
بلدان كثيرة نفطية في الجوار أيقنت أن زمن النفط سينتهي قريباً، ولهذا ابتعدوا عن الاعتماد على النفط ومنها السعودية والإمارات وإيران وقطر، إلا العراق الذي لا زال يعيش في كنف النفط فقط.
وكان السفير البريطاني قد قال في تصريحات صحافية، "إن اعتماد العراق على صادرات النفط يجعله عرضة للانتقال الحتمي من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، وعندما يقترن ذلك بتزايد عدد السكان، فمن الواضح أن النموذج الحالي غير مستدام على المدى الطويل.”
و اشار السفير، إن الاقتصاد المتنوع بما في ذلك القطاع الخاص المزدهر ضروري لدعم النمو السكاني في العراق.
ومن المهم كما يقول السفير، أن تتوصل الطبقة السياسية ككل إلى توافق في الآراء بشأن حزمة إصلاحات اقتصادية تقلل الاعتماد على دخل النفط وتنعش القطاع الخاص"