يواجه القطاع الصحي عمومًا في لبنان نقصًا قاسيًا في الموارد بينها تأمين الأدوية المزمنة وعلى رأسها أدوية مرضى السرطان في وقت تشكو المراكز الصحية في القرى الحدودية والبلدات التي تعيش حالة حرب منذ السابع من تشرين الأول الماضي، عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة أزمة صحية أكثر قساوة خصوصاً لجهة تأمين المستلزمات الطبية المطلوبة وأيصال المساعدات الطبية لمن تبقى من عائلات في هذه البلدات.
فأي صعوبات يعيشها سكان البلدات الحدودية في ظل صعوبة تأمين المستلزمات الصحية المطلوبة ودعم مراكز الخدمات الصحية والمسافات الجغرافية الطويلة بين المريض والمستشفى؟
مما لا شك فيه أن أزمة النزوح فاقمت من الأزمة الصحية كما أن الإستجابة لهذا الكم من النزوح الواسع أربك النظام الصحي الهش أساسًا وفق مصادر طبية خاصة لـ"جسور" .
في السياق عينه، تقول مصادر خاصة في وزارة الصحة العامة لـ"جسور" ترسل الأدوية إلى المراكز الصحية التابعة للوزارة باستمرار والتنسيق قائم مع المحافظة."
ماذا عن التعاون بين المحافظة والوزارة؟
في هذا السياق أوضحت مصادر غرفة الأزمة والكوارث في محافظة النبطية في حديث لـ"جسور" فقالت "لا زالت مراكز الرعاية الصحية مفتوحة أمام المرضى في معظم البلدات الجنوبية رغم كل الصعوبات."
توضح المصادر أن الغرفة تعمل باستمرار على تأمين الأدوية الناقصة بالتعاون مع وزارة الصحة العامة.
تتابع "أما فيما يخص القرى الأمامية التي تشهد قصفا عنيفاً يمكن القول أن المراكز فيها لم تستطع فتح أبوابها غالباً ولكن ثمة بديل لحل المشكلة من خلال وجود العيادات النقالة بين احياء البلدات والمنازل كلما دعت الحاجة."
تختم "الزيارات تفقدية اليومية التي يقوم بها المعنيين بغرفة إدارة الكوارث إلى هذه المناطق لا زالت ايضا مستمرة رغم صعوبة الطرق."
على أرض الواقع
يختلف الحال على أرض الواقع إذ تعاني معظم المرضى من صعوبات في تأمين العلاجات خصوصاً الطارئة بسبب الغارات والقصف المستمر ويواجه المسعفون ورجال الإنقاذ في الخطوط الأمامية خطر الموت وهم يقومون بعملهم الإنساني في نقل الجرحى في خضم التصعيد العسكري الأخير.
في هذا السياق يقول المسعف محمد رمال لـ"جسور" نخرج في سيارة الإسعاف ولا نعرف ما إذا كنا سنعود إلى مركز عملنا.
ويشكو رمال من نقص حاد في الإمكانيات الصحية وتأمين الأدوية كما يجب وسط صعوبات تشهدها المنطقة والبلدات نتيجة هذه الحرب.
صرخة أم في رميش.. أوقفوا القصف وأعطونا الدواء
قصص كثيرة خلف جدران بيوت الجنوب المحاذية للحدود بين هذه القصص قصة معاناة لمريضة سرطان في بلدة رميش وقصة وفاة شاب في شبعا.
فصرخة هبة وهي تتحدث لـ"جسور" تشبه معظم صرخات مرضى السرطان في لبنان، إلا أنها أكثر ألما في ظل نقص الأدوية وارتفاع ثمنها من جهة، ومن جهة ثانية بسبب عدم تمكنها من الوصول إلى بلدتها رميش التي تتعرض يوميا للقصف الإسرائيلي.
هبة ذات الـ43 عاماً (أم لثلاث فتيات) تخشى عليهن أكثر مما تخشى على أوجاعها، تحدثت عن معاناتها بحزن يلف صوتها المحاط بصوت القذائف وأزيز الطائرات الاستطلاعية التي تجوب سماء جنوب لبنان ليلاً نهارًا.
تقول هبة لـ"جسور": "أصبت بمرض السرطان قبل عامين وبعد الأمل الذي واكبني خلال فترة العلاج بالشفاء، أشعر اليوم مجددا بالخوف يحيط بي من كل صوب واليأس يرافقني مع كل صاروخ وقذيفة تسقط خلف نوافذ بيوتنا".
تشكو هبة من "صعوبة تأمين الأدوية وتأخير وصولها إلى الصيدليات" تقول: "تساعدني الصيدلية المجاورة لبيتي في البلدة على تأمين الدواء لكني اواجه صعوبة في تأمينه باستمرار بسسب القصف لذا أعاني من تأخير في أخذ الجرعات في وقتها كما أن الشركات تجد صعوبات في التوصيل الى بلداتنا."
تضيف هبة "أمنوا لنا الطرق الآمنة أوقفوا القصف."
وتختم "فأنا لا أستطيع الوصول دائماً إلى مراكز المختبرات خاصة وأن الطرق تشهد غارات يومياً ولم تعد أمنة للتنقل ولإجراء الفحوصات الدورية أو لمراجعة الطبيب في بيروت."
وفاة سريعة في شبعا
أثناء أعداد هذا التحقيق تعرض شاب من بلدة شبعا لذبحة قلبية وتوفي إثر ذلك بسبب صعوبة الوصول إلى مستشفى قريب وفق شهود عيان فإن "تكرار وفاة المرضى بالذبحة القلبية في بلدة شبعا يزداد نتيجة صعوبة الوصول إلى مراكز طوارئ سريعة وقريبة في ظل التوترات المستمرة في المنطقة."
مراكز حدودية وأوضاع قاسية
وفي شبعا أيضًا وعند تخوم بوابة المزارع، وتحديداً في أطرف البلدة على بعد خطوات من مركز الرادار الإسرائيلي الذي يتعرض لقصف دائم بالصواريخ يشّرع "مركز الرحمة الطبي " أبوابه أمام المرضى والمسنين والأطفال في شبعا تحت القصف.
يقول أحد ابناء البلدة لـ"جسور" إنه "يكافح القيمون معظمهم من ابناء البلدة على هذا المركز الخاص لتبقى أبوابه مشرعة في منطقة لا يوجد فيها مستشفى."
وبدوره يوضح مدير مركز الرحمة صافي نصيف لـ"جسور" فيقول "يقدم المركز خدمات الطوارئ طوال 24 ساعة ويقع على رابية من روابي جبل الشيخ في نقطة حساسة للغاية خاصة في هذه الفترة حيث تتساقط الصواريخ بالقرب منه ورغم ذلك نستمر بفتح أبوابه."
يتابع نصيف "يعتبر هذا المركز الرئة الوحيدة لأبناء شبعا والبلدات المجاورة مثل كفرشوبا والهبارية وغيرها ولكن اهالي البلدات المجاورة يخشون الوصول اليه في هذه الفترة."
يشكو نصيف كذلك من "صعوبة في تأمين الأدوية والمستلزمات الصحية الضرورية ويقول" نحن بحاجة ماسة لوجوده ولدعمه خصوصاً في فترة الحرب"
ويوضح" كان الصليب الأحمر يؤمن لنا حوالي 350 عينة من أدوية الأمراض المزمنة الا أن الصليب الأحمر غادر البلدة منذ شهر حزيران"
الدفاع المدني.. شبكة أمان رغم الصعوبات!
ويقول رئيس مركز النبطية الإقليمي في جهاز الدفاع المدني حسين فقيه لـ"جسور" إنه منذ بداية الحرب نعمل من خلال 13 مركز على الخط الساخن في القرى الحدودية لتلبية حاجيات المواطن بشتى انواعها."
يضيف فقيه "نحن شبكة آمان بنظر سكان هذه البلدات الا أن الأسابيع الأخيرة شهدت سخونة وصعوبة في التحرك."
ويردف" تزداد نسبة الخطورة يوميًا والقصف لم يميز بين سيارات الإسعاف وغيرها ونعاني من صعوبات بالتدخل لإطفاء الحرائق خاصة في كفركلا والعرقوب والعديسة واليوم نشهد صعوبة بالوصول الى داخل احياء البلدات التي تتعرض لغارات جوية. نتحرك بالتنسيق مع الجيش اللبناني وقوات الطوارئ ومهمتنا المحافظة على توصيل المرضى إلى المستشفيات."