لا تزال موجة الانتقادات تتصاعد ضد حكومة تصريف الأعمال في لبنان منذ إقرارها زيادة على رواتب موظفي القطاع العام، تخفف من وطأة معاناتهم لكنها فتحت الباب واسعاً على سجالات لن تهدأ قريباً.
فعلى الرغم من كونه مطلباً مشروعاً، إلا أن القرار أثار المخاوف بين الأوساط اللبنانية المتخصصة بالشأن المالي والاقتصادي، باعتباره غير مبني على أسس علمية متينة ومن شأنه أن يفاقم من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلاد منذ عام 2019.
ردم الهوة على الطريقة التقليدية للحكومة لن يقدّم حلاً جذرياً لمشكلة القطاع العام، يؤكد الخبير الاقتصادي اللبناني أنطوان فرح في حديث لـ “جسور"، بل سيفاقم المشكلة فالحكومة سبق واعتمدت على أمرين خاطئين خلال إقرار سلسلة الرتب والرواتب" “الأول الاستناد على أرقام غير واضحة نتيجة غياب إحصاء دقيق عن عدد المستفيدين من الزيادات".
الأمر الثاني مرتبط بالرقم نفسه حيث بنيت الحسابات على أساس رقم محدد ليتبيّن بعد التنفيذ أنه مختلف تماماً تقديرات الحكومة مشيراً إلى أن الدولة تكرّر الخطأ الذي ارتكبته مع سلسلة الرتب والرواتب السابقة والتي كانت واحدة من العوامل التي ساهمت بتسريع الانهيار المالي والاقتصادي بالبلد.
وتحدث فرح عن معيار عالمي لنسبة إنفاق الدولة من الموازنة على القطاع العام مقدماً مثالاً على ذلك "بريطانيا حيث تتراوح النسبة بين 20 و22 في المئة مع العلم أنها دولة صناعية واقتصادية عظمى" وفي لبنان وصلت النسبة إلى 50 بالمئة من حجم الموازنة ما يشكل نوعاً من الانتحار ويتحول إلى مؤشر آخر على استمرار الانهيار وتعميق الأزمة".
الحل المنتظر
واعتبر فرح أن الدولة اللبنانية كانت تدور في حلقة مفرغة في ظل ابتعادها عن الانتاج، ولا حل للخروج منها سوى "بتغيير مسارها وتبنيها نهجاً إنقاذيا وإصلاحيا".
وأعاد التذكير بحلول الدولة اللبنانية في السابق "التي كانت تتجه إلى الاقتراض ما أدى في النهاية إلى الانهيار، أما اليوم، فلم يعد حل الاقتراض متاحاً، بالتالي يتعيّن على الدولة طباعة العملة، ما سيؤدي بدوره إلى انهيار بسعر الصرف فيدفع المواطن مجدداً الثمن".
بالتالي، أكّد فرح أن الحل يكمن في إيجاد خطة إنقاذية نبدأ من خلالها بالإصلاحات وتغيير المسار الانحداري المستمر من 4 سنوات ونلمس زيادة حجم الاقتصاد وتحسين إيرادات الدولة ووضع حد للتهرب الضريبي" مشيراً أن "الإقتصاد الأسود بات يمثل أكثر من نصف الاقتصاد العام في البلد".
وأضاء فرح على الذكرى الرابعة لإعلان الدولة اللبنانية التوقف العشوائي عن دفع ديونها قائلاً: "لا يوجد دولة في العالم أعلنت الإفلاس واستمرت لأربع سنوات من دون أن تتخذ أي إجراء للخروج من أزمتها ومعالجة الإفلاس".
وفي الختام أكد فرح أن عدم إعطاء موظفي القطاع العام حقوقهم يبقي القطاع في شلل عام تداعياته لن تكون حميدة على الاقتصاد، إنما حذر من إقدام الدولة على المجازفة وتقديم ما يفوق قدرتها فتخلق أضرار جانبية لا تحمد عقباها وتفاقم عمق أزمتها.
يشار الى أن الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة في لبنان قد أعلنت عن تعليق إضرابها لحين معرفة وتوضيح المواد الغامضة التي تضمّنها المرسوم الذي صدر عن مجلس الوزراء، للتأكد من عدالتها وعدم تمييزها بين موظفي الإدارة العامة، وعليه تقرّر فك الإضراب لمدّة أسبوع إفساحاً في المجال أمام المواطنين لإتمام معاملاتهم العالقة في الإدارات العامة.