تدخل الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث على وقع تناقض تام بين انتصارات نوعية آخرها في أفدييفكا ونكسات غير المتوقعة كما في خاركيف وخيرسون، والعالم لا يزال يعقد المزيد من الاجتماعات بعيدا من أي حسم لمسار الحرب ومصيرها.
وأعلنت إيطاليا عن أن مجموعة السبع ستعقد السبت اجتماعاً عبر الفيديو مخصص لأوكرانيا، في ظل "وضع صعب جدا" على ساحة المعركة بعد أن فرضت روسيا "سيطرة كاملة" على مدينة أفدييفكا الأوكرانية في الجبهة الشرقية.
وبحسب المعلومات، "سييقرر المشاركون في الاجتماع تشديد نظام العقوبات على روسيا، كما سيفرض الاتحاد الأوروبي حزمة جديدة من العقوبات تزامنا مع موافقة الولايات المتحدة على عقوبات من جهتها".
في هذا الإطار، رأى د. محمد فرج الله، وهو رئيس تحرير وكالة أوكرانيا بالعربية، وأستاذ جامعي في معهد العلاقات الدولية في أوكرانيا، والخبير بالشؤون الأوكرانية وأوروبا الشرقية، أنه "مع بدء دخول الحرب الروسية على أوكرانيا عامها الثالث، يمكن القول إن روسيا لم تحقق الأهداف التي أعلنت عنها، فهي أرادت إثناء أوكرانيا عن التوجه نحو الغرب ونحو حلف الناتو، وهذا لم ولن يحدث. كما أرادت نزع سلاح أوكرانيا واحتلالها بطريقة عصرية جديدة وضمها لها، ثم الاعلان عن اتحاد فدرالي جديد بين روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، وكل ذلك فشل فشلًا ذريعًا لأنه أحدث شرخًا كبيرًا بين الشعبين الروسي والأوكراني Kوهذا من أكبر خسائر روسيا".
"أهداف موقتة"
وقال في حديث لـ"جسور"، "قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كان الجزء الأكبر من الشعب الأوكراني يعتبر الشعب الروسي شعبًا شقيقًا وصديقًا، لكن اليوم لم يعد الأمر كذلك. روسيا حققت أهدافًا موقتة من المحتمل ألّا تتمكن من الحفاظ عليها، كما استطاعت أن ترعب فعلًا الغرب وأن تعود إلى الساحة بقوة، لكن كدولة خارقة للقانون الدولي. أما أوكرانيا، فقد أفشلت الخطة الروسية ومنعتها من احتلال أراضيها، وأثبتت أنها دولة مستقلة وذات سيادة وهي باقية واستطاعت أيضًا أن ترسل رسالة للعالم أن الجيش الروسي الذي كان الثاني عالميًّا، وهو تابع لدولة عظمى، يُهزم ويُقهر".
وتابع فرج الله: "انتصار أي دولة من الدولتين أو هزيمتها أصبح يخصُّ دولًا عديدة أخرى، ويرتبط بتغيرات جيوستراتيجية في العالم، وذلك ينعكس سلبًا على الطرفين. اليوم خسارة روسيا الحرب يعني أنه يجب عليها أن تتراجع في ملفات أخرى عديدة منها الملف السوري والإفريقي، وانتصارها يعني أنها ستفرض على أوروبا ملفات عديدة. ما يُمكن قوله إن الطرفين قد استنزفا إلى حد كبير. والغرب الآن أمام تحديات جديدة، إما يمد أوكرانيا بالسلاح أو يستعد هو للحرب، في حين نجد أن روسيا استطاعت أن ترمرم كل خسائرها وأن تجد لنفسها بدائل بالطبع غير قانونية. روسيا أثبتت أن هدفها ليس حياد أوكرانيا بل أنها تسعى للتوسع والاستعمار بينما تقوم بخطوات تزيد عزلتها".
من جهته، اعتبر رئيس وكالة تنمية التجارة الدولية تيمور دويدار، في حديث لـ"جسور"، أن "الأهداف المعلنة من قبل الإدارة الروسية لم تتحقق بعد، وبالطبع مستقبل هذه المعضلة أو الخلاف العسكري ليس في صالح البلدين، وقد يعتبر قاتلًا لأوكرانيا على صعيد الدولة والاقتصاد وغيره".
وقال: "لا إيجابيات في ما يحدث، لكن سياسيًّا، وجهت روسيا رسائل عديدة للغرب بعدم العبث بالأمن القوم الروسي وأن الادارة الروسية مستعدة لأي حراك حتى ولو كان عسكريًّا. أوكرانيا خسرت كل ما كان لديها بسبب سياستها المعادية لروسيا ولعب دور الوكيل للغرب ضد روسيا. وقد نشاهد تغييرات جديدة في تغيير منظومة إدارة النظام العالمي، وتكتلات سياسية واقتصادية جديدة في العالم، وبروز الانشقاق بين ما يسمى المليار الذهبي وباقي العالم".
وتابع دويدار: "إذا استمرت روسيا في إدارة هذه المعضلة السياسية العسكرية، سوف تصل إلى أهدافها، إلّا إذا حصل تغيير ما مثلا بالمفاوضات أو ببدء الحوار بين موسكو وواشنطن وفهم الغرب واعترافهم بالمصالح الروسية".
شرارة الحرب
وكانت شرارة الحرب قد انطلقت بعد عملية عسكرية شنتها روسيا على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، حيثُ بدأت الحملة بعد حشدٍ عسكري طويل، والاعتراف الروسي بجمهورية دونيتسك الشعبية المعلَنة من جانب واحد وجمهورية لوغانسك الشعبية، أعقبها دخول القوات المسلحة الروسية إلى منطقة دونباس في شرق أوكرانيا في 21 فبراير/شباط 2022.
وفي 24 فبراير، وبعد خطابٍ أعلن فيه بوتين عن عملية عسكرية بهدف "تجريد أوكرانيا من السلاح واجتثاث النازية منها"، بدأ القصف على مواقع في جميع أنحاء البلد، بما في ذلك مناطق في العاصمة كييف.
وقدّمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لأوكرانيا بعشرات المليارات من الدولارات، وهي تعد أكبر مانح لكييف على الإطلاق. لكن التمويل الحالي نفد، بينما حلفاء الرئيس السابق دونالد ترامب في مجلس النواب يماطلون في تمرير حزمة المساعدات الجديدة.
ويعارض دونالد ترامب، المرشح الجمهوري المحتمل في الانتخابات الرئاسية الاميركية في نوفمبر/تاشرين الثاني، مساعدة كييف، واستخدم نفوذه لعرقلة مشروع قانون أميركي لإصلاح قوانين الحدود والهجرة كان سيتيح في مقايضة بين الديموقراطيين والجمهوريين بتقديم مساعدات إضافية لأوكرانيا.