عناوين شتّى وتسميات كثيرة للاتجار بالبشر ، نساء وأطفال ضحايا استغلال وكأن الزمان يعود بالإنسان إلى العصر السحيق للاستعباد والرق، كما يقول مراقبون لـ "جسور". ويتراوح سعر الإنسان وفق الأمم المتحدة لدى عصابات الاتجار بالبشر ما بين 10 دولارات و10 آلاف دولار.
هذه الظاهرة الجديدة القديمة المنتشرة في المجتمعات بوجوه وأساليب متعددة بدأت تتفاقم مع أزمة اللجوء السوري بحيث تحوّل اللاجئون الذين تخطى عددهم المليون ونصف المليون شخص في لبنان فقط، ولا سيّما النساء منهم والأطفال، إلى الهدف الأساسي والحلقة الأضعف.
آلية وطنية
ومع تزايد الأرقام لبنانياً، قرّرت وزارة العدل التحرّك لمكافحة هذه الآفة عبر تنظيم ورشة عمل، بدعم من مجلس اوروبا لمكافحة الاتجار بالبشر، وذلك في إطار البرنامج المشترك للاتحاد الاوروبي ومجلس اوروبا تتمحور حول إعداد مشروع لائحة المؤشرات العامة والخاصة في لبنان، بهدف رصد ضحايا الإتجار بالبشر والتعرّف إليهم.
وسبق للبنان ان تواصل مع المجلس للنظر في إمكانية التعاون في مواضيع قانونية وقضائية عدة، وراسلت الوزارة المكتب الاقليمي في تونس حول سبل التعاون، وكان الجواب ايجابياً.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر وزارة العدل، أنّه وبعد مشاركة قضاة لبنانيين في مؤتمرات حول الإتجار بالبشر، إقترح المجلس الاوروبي على وزارة العدل اللبنانية وقضاتها البدء بالعمل على هذا الموضوع، وعزّز ذلك القرار بحضور وفد كبير من المجلس الاوروبي للاجتماع مع وزير العدل والوزارات المعنية، لمناقشة أطر التعاون القانوني وتقديم المساعدة والخبرات، إن من خلال ورش عمل او دورات تدريبية، لتعميق معرفة القضاة اللبنانيين للمعايير الدولية بالنسبة إلى المواضيع القانونية.
وعليه، اقترح مجلس أوروبا البدء بورشة عمل من بيروت عنوانها "وضع مؤشرات للرصد والتعرف إلى ضحايا الإتجار بالبشر".
شبكات تهريب وسماسرة
وعن هذا الشأن، يقول الأستاذ في القانون الدولي المحامي أمين بشير، إنّ عملية تجارة البشر نشطت في الآونة الأخيرة على الأراضي اللبنانية، ولا سيما أنها استقطبت المافيات العالمية مستغلّة وضع لبنان المنهار أمنياً واقتصادياً، باعتباره من المواقع الخصبة لمزاولة مثل هذه الأنشطة.
وهذا يفسّر بشكل واضح وفق ما أكد بشير في حديث لـ "جسور"، تزايد عمليات الخطف مقابل الحصول على فدية مالية، فضلاً عن عمالة الأطفال والدعارة والإتجار بالنساء والأطفال، ويضاف إليها ظاهرة تجارة الأعضاء التي تنشط في مناطق النزاع والحروب وتحديداً في سوريا والخوف من تحوّلها في لبنان إلى ظاهرة بسبب ما يعانيه من أوضاع معيشية صعبة.
وبيّن بشير، أنّ معضلة النزوح السوري إلى لبنان أثّرت بشكل مباشر على تزايد ظاهرة الإتجار بالبشر، مسلطاً الضوء على هروب الكثير من السوريين عبر قوارب الموت إلى بلدان أكثر أمناً واستقراراً، لكن للأسف يقعوا ضحايا شبكات التهريب والسماسرة وما وراءها من أذرع سياسية وأمنية لبنانية وسورية.
وأوضح أنّ عملية تشغيل محركات قوارب الموت تحصل من دون أن تحرّك الدولة ساكنا، أو تُقدم على اتخاذ إجراءات وتدابير إحترازية لتوقيف العصابات التي تنشط على خط الإتجار بالبشر. وما يعزّز حركة العصابات اندفاع الفقراء نتيجة تفاقم الأزمة الإجتماعية والإقتصادية وهذه إحدى مظاهر تحلّل الدولة.
تفشي الجريمة في العراق
وكما في لبنان كذلك في العراق، إذ تعدّ ظاهرة الاتجار بالبشر في بلاد الرافدين من الجرائم الكبرى، المنتشرة في محافظات البلد، ويعزو مراقبون اتساع هذه الظاهرة إلى الفقر والبطالة وقوة الجماعات المسلحة التي يتهمونها بدعم الشبكات الإجرامية، حيث تمتلك هذه الجماعات الحصة الأكبر من شبكات الاتجار وتوفّر لها الحماية الأمنية والقانونية.
وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي العراقي، علي السامرائي، في اتصال مع "جسور"، إن "جرائم الاتجار بالبشر تعدّ الأخطر حالياً بعد ملف تهريب وتجارة المخدرات، والجريمة تساهم في انتشار المخدرات من خلال تخصيص أفراد لعمليات توزيع المخدرات في الأحياء والمدن، وفي خلال الأشهر الماضية سجلت السلطات ارتفاعاً كبيراً في حالات الاتجار بالبشر، وأكثرها كان في بغداد".
ويشير السامرائي، إلى أن "هناك تقصيراً واضحاً من الحكومة، لتهاونها في هذا الملف، حيث هناك قانون لمكافحة الاتجار بالبشر لكنه غير مفعّل بالطريقة الحقيقية، كما أن العراق لم يفِ لحد الان بالالتزامات الدولية بخصوص مكافحة الاتجار بالبشر، لذا هي مشكلة ممنهجة تتعلق بالسلطات التنفيذية، ونفوذ وقوة الذين يتاجرون بالبشر والأعضاء البشرية".
ويضيف أنّ "الاتجار بالبشر يعود لأسباب عدة أبرزها العوز المادي الذي أجبر الأهل على الاستغناء عن أولادهم للتخلص من تكاليفهم المادية، موضحا أنّ "الفئات الأكثر عرضة للاتجار بالبشر هم الأطفال عبر استخدامهم للتسوّل، والفتيات وخصوصا القاصرات منهن والشابات، عبر تزويجهن لأشخاص لا يعرفون شيئا عنهم، أو تسفيرهن إلى خارج البلاد".
الإتجار بالبشر بين القانونين اللبناني والعراقي
ويتضمن قانون مكافحة الاتجار بالبشر وفق الخبير القانوني، علي التميمي، عقوبات تصل حدّ السجن المؤبد والإعدام في بعض الحالات، لكن قانونيين يرون أن عقوباته صعبة التطبيق لأسباب عدة، أبرزها اعتماد عمليات الاتجار على التحايل وخداع الضحايا، أو استغلال ظروفهم وظروف عائلاتهم، وهو ما يحتاج إلى جهد استخباري فائق لملاحقة تلك الحالات والكشف عنها.
ويرى التميمي في حديث لـ "جسور"، أنّ هذه الجرائم طارئة على المجتمع العراقي وهي تحتاج إلى التوعية والتعريف عبر وسائل الإعلام، مضيفًا أنّ من الجرائم التي جاء بها هذا القانون تجنيد الأشخاص واستقبالهم والاحتيال عليهم وخداعهم واستغلال السلطة لتحقيق هذه الجرائم وقد يكون هذا الاستغلال لأغراض الجنس أو التسوّل أو السخرة.
وعلى صعيد التّشريع الّلبناني، يُجرّم القانون الإتجار بالبشر، وتعتبر الدعارة نوعًا من أنواع هذه الظاهرة، وتعاقب جريمة الإتجار بالأشخاص وفق التالي:
- بالحبس لمدة 5 سنوات، وبالغرامة من 100 ضعف إلى 200 ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور، في حال تمت هذه الأفعال لقاء منح مبالغ مالية أو أي منافع أخرى أو الوعد بمنحها أو تلقيها.
- بالاعتقال لمدة 7 سنوات، وبالغرامة من 150 ضعفًا إلى 300 ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور، في حال تمت هذه الأفعال باستعمال الخداع أو العنف أو أعمال الشدة أو التهديد أو صرف النفوذ على المجنى عليه أو على أحد أفراد عائلته.
- بالاعتقال لمدة 10 سنوات، وبالغرامة من 200 ضعف إلى 400 ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور، في حال كان فاعل هذه الجريمة أو الشريك أو المتدخل فيها أو المحرض عليها: موظفًا عامًا أو أي شخص مكلفٍ بخدمة عامة أو مدير مكتب استخدام أو عاملًا فيه، أحد أصول المجنى عليه، أو أحد أفراد عائلته، أو أي شخص يمارس عليه سلطة شرعية أو فعلية، مباشرة أو غير مباشرة.
- بالاعتقال لمدة 15 سنة، وبالغرامة من 300 ضعف إلى 600 ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور، إذا ارتُكبت هذه الجريمة بفعل جماعة (من شخصين أو أكثر) ترتكب أفعالًا جرمية، وإذا تناولت الجريمة أكثر من مجني عليه.
- بالحبس من 10 سنوات إلى 12 سنة، وبالغرامة من 200 ضعف إلى 400 ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور: حين ينطوي الجرم على أذى خطير للضحية أو لشخص آخر، أو على وفاة الضحية أو شخص آخر بما في ذلك الوفاة الناتجة عن الانتحار، حين يتعلق الجرم بشخص في حالة استضعاف بصفة خاصة، حين يعرّض الجرم الشخص الضحية للإصابة بمرض يهدد حياته، حين يكون الضحية معوّقًا جسديًا أو عقليًا، وحين يكون الضحية دون الـ18 من عمره.
ويعفى من العقوبات كل من بادر إلى إبلاغ السلطة الإدارية أو القضائية عن جرائم الإتجار بالأشخاص، وزودها معلومات أتاحت، إما كشف الجريمة قبل وقوعها وإما القبض على مرتكبيها أو شركاء أو متدخلين فيها أو محرضين عليها، وذلك إذا لم يكن الشخص الذي يقوم بالتبليغ مسؤولًا بصفته مرتكب هذه الجريمة.