انتهى وجود المعارض الروسي أليكسي نافالني من الحياة السياسة الروسية بغض النظر عن التقرير الذي قدمته مصلحة السجون الروسية عن وعكة صحية أصابت حياته بعد أن ظهر في شريط الفيديو قبلها وهو يتحدث أمام القاضي بطلاقة مطلقة بطريقة المزاح الذي لا تدل على ان المعارض بحالة صحية صعبة قد تؤدي فعليا لوفاته في اليوم التالي .
البيان الصحفي الصادر عن مصلحة السجون الفيدرالية يفيد بأن أليكسي نافالني "شعر بتوعك بعد المشي، وفقد وعيه على الفور تقريبًا". وحدثت الوفاة الساعة" 14.17 " بتاريخ 16 شباط /فبراير الحالي.
والمعارض تم إخراجه من الحبس الانفرادي بتاريخ 11 شباط / فبراير الحالي بعد عزله لمدة 14 يوما ، حيث بقي في العزل الانفرادي أكثر من 300 يوم خلال الثلاث السنوات التي قضاها في السجن بظل الظروف المناخية والصحية التي مرت على نافالني أثناء فترة الاعتقال وكان الهدف منها بالأساس القضاء عليه صحيا لكنه قوي وعمره صغير يسمح له بالمقاومة .
البيان ذكر أن فريق الإسعاف وصل الى السجين بعد 7 دقائق، فلماذا تم تنفيذ المزيد من إجراءات الإنعاش في ظروف غير مناسبة وليس في وحدة العناية المركزة المتخصصة؟ وتقع على بُعد كيلومتر واحد فقط من المنطقة كما هو معروف للمتابعين لمكان السجن القطبي الذي نقل إليه المعارض مؤخرًا .
ولماذا أعلنت دعاية الدولة على الفور عن "جلطة دموية مكسورة" إذا كان تشريح الجثة فقط، في رأي علماء الأمراض المؤهلين هو الذي يمكنه إثبات ذلك؟ على ماذا اعتمد الدعاة ومن قام بهذا التشخيص؟
بغض النظر عن كلام السلطة وطبيعة تشخيصه للحالة الصحية التي أدت للوفاة، وبغض النظر عن طبيعة التقرير الصادر عن الدولة التي تشير فيه الى ما تريد عن سبب الموت نتيجة غياب اللجنة الطبية التي ستشرح الجثة او المتابعة المستقلة لظروف القتل فإننا أمام حالة لن تعرف ظروفها ونتائجها الحقيقية .
قرار القتل اتخذ مسبقًا
لكن لابد من القول إن السلطة الروسية والرئيس فلاديمير بوتين مسؤولون حقيقيو ن عن موت المعارض نافالني منذ اعتقاله فور وصوله إلى مطار موسكو بعد علاجه من آثار التسمم بواسطة غاز نوفوتشك القاتل الذي كان يلاحق كل معارضي بوتين في الداخل والخارج .
قتل نافالني منذ أن أودع السجن وتمت محاكمته بدون مسوغ قانوني وإنما بقرار سياسي ومنع المعارض من ممارسته حقه بتأمين حقوقيين للدفاع عنه حيث باتت الأحكام تتزايد والقضاة ينفذون تعليمات الكرملين حيث أصبحت القضية سياسية واضحة من خلال التهم المنسوبة للمعارض الذي بات أمر قتله واضحا للجميع أن السلطة تريد قتلته بكل الوسائل والطرق لمنع صوته من الوصول إلى الرأي العام الروسي والعالمي
السلطة كانت تخاف نافالني لأنه المعارض الحقيقي للرئيس بوتين والذي استطاع أن يبني جمهورا روسيا معارضا من خلال المواجهة مع سلطات الأمن الروسية ومن خلال مواكبته للمظاهرات والمسيرات التي كانت تدعو لها المعارضة في مدن روسيا ومن خلال الفضائح التي تسببت بها مؤسسة نافالني وشركائها للكشف عن الفضائح الكبيرة التي تعيشها صقور الكرملين عبر أفلام استقصائية.
يصف نافالني في أفلامه الاستقصائية الطبقة الحاكمة في روسيا بأنها "حزب المحتالين واللصوص"، شعار أطلقه نافالني في بداية معارضته عام 2001 ليتحول إلى شركة إنتاج استقصائية لمتابعة فضائح السلطة ومن ثم سلسلة أفلام من إنتاج مؤسسة مكافحة الفساد التي أسسها نافالني عام 2017 مهمتها الكشف عن الإثراء غير القانوني لرئيس وزراء بوتين دميتري مدفيدف وتم نشره على اليوتيوب وأصبح الفيلم مشهورًا للغاية وأصبح عنوانه شعارًا للاحتجاجات المناهضة للفساد التي جرت في جميع أنحاء روسيا حيث باتت قنوات اليوتيوب التي تنشر حلقاته متابعة من الداخل والخارج وتكشف فضائح وسرقات الطبقة الحاكمة في مجموعة بوتين التي تقود روسيا .
التحقيق حول قصر بوتين
وربما فضيحة قصر الكرملين الذي نشرتها مجموعة نافالني عام 2019 كان لها تأثيرها الكبير في تغيير الحقائق التي يخفيها القيصر الأحمر عن الرأي العام الروسي ويقوم بتضليله للعالم بأنه يحارب الفساد لصيح الفاسد الأول حيث يستعرض الفيلم لمدة ساعتين موضوعاً بعنوان اقر بوتين في مدينة سوتشي حيث سجل له أكبر فضيحة رشوة عن بناء قصر فخم جدا وضخم على ساحل البحر الأسود ويموله أشخاص من حاشيته ويملك القيصر هذا القصر الذي يبلغ سعره المليارات وثروات هائلة تتمتع بها بناته الموجودات في أوروبا .
قتل نافالني درس للمعارضة الروسية
لقد كشر النظام الروسي عن أنيابه بعد شفاء نافالني من غاز "نوفتشوك" في 20 اب/أغسطس عام 2020 حيث تعرض لعملية قتل واضحة من قبل المخابرات الروسية حيث تم نقله سريعا للمعالجة وبعد الشفاء في مستشفى "شاريتيه الألماني" وبعد أن تعافى صرح نافالني بشهر تشرين الأول /اكتوبر من العام نفسه بان بوتين هو وراء عملية القتل .
ونتيجة الاحتضان الشعبي والدولي مع شخصه الشجاع قرر المعارض العودة الى روسيا بتاريخ كانون الثاني /نوفمبر 2021 للمواجهة حتى لو كان الموت فكان له ما كان يتوقع لأنه أخاف القيصر فكانت كلماته الموجهة للرأي العام العالمي في إحدى الأفلام الوثائقية التي كان عنصرها الأساسي في إجابته على السؤال ماذا لو تم قتلك فقال يعني ان النظام بات يخافنا ويحسب لنا حساب فعلينا ألا نرضخ له "حيث أصبحت الإجابة عن السؤال شعار المعترضين الروس وقد رفعه الناس عندما سمعوا بخبر موته " .
الهدف من قتل نافالني
فالسؤال الذي يطرح نفسه على الجميع لماذا قتل نافالني؟ فموت نافالني لن يأتي نتيجة صدفة بل هو نتيجة خوف فعلي من شبحه الذي يخافه بوتين وخاصة قبل الانتخابات المقبلة التي يتهيأ لها والتي تهدف لإخماد صوت المعارضة من خلال هذه الرسالة التي باتت تجعل بوتين من خلالها القضاء على كل من يعارضه ولا ينصاع لأوامره حتى أقرب المقربين كما حال يفغين بريغوجين خادم القيصر الذي أنهى حياته وقتله في عملية واضحة بإسقاط طائرته الحوامة التي كانت تنقله وتنقل مقربين من الطرفين .
بوتين أمام مرحلة صعبة يريد أن يكون الوحيد على الساحة الروسية حيث بات الأمر له لذلك هو يقتل معارضيه ويضع من يشاء منهم في السجل ويبعد الآخرين بالغاز. ليس مهمة جديدة على بوتين في تصفية معارضيه والحبس ليس هو الحل في إنهاء وتدمير حياة المعارضين والهروب من روسيا هو النهاية للمعارضين التي تبقى مهددة بالموت حتى النهاية .
اغتيال المعارضة صفة النظام البوتيني
قتل المعارضين الروس لم يكن حالة عادية في فترات ولاية بوتين في السلطة التي امتدت من العام 1999حتى اليوم حيث أصبحت مليئة بالدماء والتصفيات والاغتيالات ، التي تخطى الحدود الروسية وهناك الأسماء الكثيرة التي تم تصفيتها في لندن والدوحة والشيشان وبرلين وأميركا ، وأميركا اللاتينية وروسيا ولم يكشف عنها أي شيء .
ويمكن التذكير بقتل المعارض الروسي في العام 2016 بوريس نيمتسوف أمام قصر الكرملين بواسطة قناص ولم تكشف الجريمة حتى اليوم في الوقت الذي يتم كشف أي شخص وحتى من يكتب شعارًا على وسائل التواصل يدين الحرب في أوكرانيا ويحاكم ويتم إلقاء القبض عليه وحتى يعاقب الأهل عن الأطفال ويهدد الأهل بسحب الحضانة من الأطفال ولكن لا يمكن أن يعتقل من يغتال معارض أو صحافي فيتم تسجيل القضية ضد مجهول وهذه القضية تسجل سريعا على أنها وعكة صحية بإرادة الله القدير على صناعة المعجزات فقط استطاعت ان تواجه صحافية روسية من الضواحي السيبيرية للرئيس بوتين في اللقاء السنوي مع الصحفيين في 17 تشرين الثاني / نوفمبر من العام 2023 ، بالقول كيف يمكن اكتشاف جرائم من قبل القضاء ويمكن التغاضي عن جرائم وحددت أين أصبحت قضية المعارض الروسي نيمتسوف فيجيب بوتين بطريقة ملتوية بأن القضاء يعمل وهناك مشاكل بالقضاء ويجب معالجتها .
فعندما سألت الصحفية الروسية في سؤالها المباشر للرئيس هل كنت تتأملين الإجابة على سؤالك المباشر من الرئيس؟ قالت لا انتظر ولا اي صحافي ينتظر الإجابة على سؤال لكن المهم أن توجه السؤال الصحيح للمسؤول .
متى تنشأ المعارضة الروسية الجديدة
في تصريح للرئيس الأميركي بايدن بأنه إذا تم اغتيال او قتل نافالني سوف اضع على روسيا عقوبات كبيرة ومؤثرة والاتحاد الأوروبي يجهز لحزمة عقوبات مهمة جدًا تندرج في إطار الضغط وتعتبر الحزمة 13 ،والتي قد تعارضها "هنغاريا"، وربما ستعمل على إفشالها كلها نظام بوتين لا يبالي ولا يزال يمارس أبشع الضغوط على الناس في روسيا وقد شهدنا عملية الضغط في منع الناس من الذهاب إلى أضرحة الجنود المجهولين لوضع الورود وإضاءة الشموع على رحيل المعارض الأول نافالني.
لكن الامن تصدى لهم وأنزل بهم أشد العقوبات تمثل بالتصدي والتهديد والضرب المبرح وحتى السفيرة الأميركية في موسكو تخطت الحظر وذهبت مع فريق كبير من الروس والدبلوماسيين لوضع الزهور وإضاءة الشموع فكيف يترجم هذا القتل البارد من الروس ومن الغرب؟
ويمكن الانتباه إلى أحاديث نافالني عن زوجته يوليا التي تعتبر رفيقته في الحياة والنضال وبأنه يستمد قوته منها وهي المرأة الحديدية. وقال إنها تخطته في راديكاليتها ومواقفها الصلبة ضد نظام بوتين فهل خطاب يوليا نافالني في مؤتمر الأمن والسلام في ميونخ في المانيا بتاريخ 18 شباط /فبراير الحالي بانها ستطلق معارضة جديدة يلتف حولها الروس في الخارج والداخل ويكون قدر المرأة تولي مهمة صعبة تركها لها زوجها الراحل.
وقد تنعكس تجربة سفيتلانا تخانفسكايا المعارضة البيلاروسية مثلًا حيًا لمسيرة يوليا نافالني وخاصة ان تخانفسكايا ترشحت للانتخابات بعد اعتقال زوجها ووضعه حتى اليوم قيد الاعتقال وباتت رمزًا للمعارضة البيلاروسية .
لكن بعد لقاء الرئيس بايدن بزوجة وابنت المعارض أليكسي نافالني ، باتت التشدد واضحًا على الخطاب الاميركي حيث أعرب الرئيس عن إعجابه بشجاعة غير العادية وإرثه في الحرب ضد الفساد، وأكد أن إدارته ستعلن عقوبات جديدة وكبيرة ضد روسيا بتاريخ 23 شباط /فبراير الحالي ردا على عملية القتل وأكد على ضرورة إعادة جثمانه إلى والدته.