تورط الإطار التنسيقي على ما يبدو حين مرر نظام "سانت ليغو" للانتخابات العام الماضي، واكتشف ذلك متأخرا بعدما تسلل الصدريون إلى المحافظات وتمرد 3 محافظين على التحالف الشيعي.
ولتجاوز الخطأ، ينوي فريق داخل الإطار التنسيقي طرح تعديل "مفاجئ" لقانون الانتخابات التشريعية يهدف إلى تغطية الفجوات التي حدثت في الانتخابات المحلية الأخيرة، ويمنع وصول رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الذي بدأ يضايق الزعامات الشيعية التقليدية.
وشرع البرلمان وعدل 10 قوانين خاصة بالانتخابات مقابل 9 اقتراعات جرت بعد 2005 بين تشريعية ومحلية والعام الماضي، عدل البرلمان آخر قانون للانتخابات بإصرار من "الإطار" نفسه، قضى بإلغاء الدوائر المتعددة.
لا يخفى على أحد أن التحالف الشيعي نجح مع "سانت ليغو"(وهو نظام لحساب توزيع أصوات الفائزين بمعادلة 1.7) في جمع نحو نصف مقاعد الانتخابات المحلية التي جرت العام الماضي، رغم أن بعض المحافظات خرجت من يده.
ويقول عدي عواد القيادي في عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، أن هناك نقاشًا داخل الإطار التنسيقي حول مطالب بإعادة الدوائر المتعددة، وتقييد المسؤولين التنفيذيين في الانتخابات المقبلة.
ويبدو أن العصائب تشير هنا إلى محافظ البصرة أسعد العيداني الذي
شكل في الأشهر الماضية، أزمة بالنسبة للعصائب وكان قد تسبب في انهيار اتفاق سابق داخل التحالف الشيعي على عدم التجديد لأي محافظ سابق.
ووفق المعلومات المتاحة فإن أغراض "الإطار" في تعديل قانون الانتخابات، تتقاطع في الوقت نفسه مع أطراف ثانية.
قرار التراجع
حتى وقت قريب لم يكن التحالف الشيعي يفكر في الانتخابات التشريعية، ورئيس الحكومة نفذ وعده بإجراء انتخابات محلية، لكنه سكت عن التشريعية.
سكوت رئيس الحكومة كان بسبب عدم رغبة "الإطار" بإجراء انتخابات مبكرة كما جاء في البرنامج الوزاري وقال السوداني أكثر من مرة، إن إجراء انتخابات مبكرة أمر يعود للقوى السياسية، وحكومته جاهزة إذا قرر البرلمان حل نفسه.
وفي قانون الانتخابات المحلية الذي مرره "الإطار" في آذار 2023 على خلاف رغبة الصدر، تراجع فيه عن كونه قانونا محليا وتشريعيا في ذات الوقت، كما كان في المسودات الأولى للمشروع.
وتشير المعلومات الآن الى استبعاد جميع "الشيعة" إجراء انتخابات مبكرة وإكمال الحكومة 4 سنوات إلى 2026، أو في أسوأ الأحوال قد تجرى انتخابات مبكرة في نهاية 2025.
ويؤكد بالمقابل حزب تقدم بزعامة رئيس البرلمان المُبعد محمد الحلبوسي، عدم وجود مصلحة بتغيير قانون الانتخابات، واصفا إياه بالمهم ويقول المتحدث باسم حزب تقدم يحيى المحمدي "لا نرى مصلحة بتغيير قانون الانتخابات، ولا يجوز تغيير قوانين مهمة كهذا القانون بشكل مستمر وبناء على رغبات أفراد أو حسابات ضيقة".
وأضاف: "العملية الانتخابية بحاجة إلى مزيد من الثقة، والنظام الانتخابي يتطلب استقرارًا للقانون، ولا نجد مبررًا للتعديل".
إذا، كل المعطيات تشير إلى أن الإطار التنسيقي لم يكن مستعدًا أو في نيته نقاش الانتخابات التشريعية، فما الذي دفعه الآن لمحاولة تعديل قانون الانتخابات؟
تقول المعلومات القريبة من نقاشات أحزاب "الإطار" إن أكثر المتحمسين لهذه الفكرة هو نوري المالكي، زعيم دولة القانون فهو كان حتى وقت قريب، بعد اختيار الإطار التنسيقي للسوداني، يتوقع أن يكتشف التحالف الشيعي الخطأ الذي وقع فيه ويعود ليطلب منه أن يرأس الحكومة.
وكانت ضغوط شعبية ودولية قد أفضت إلى اتفاق داخل التحالف الشيعي في 2022 بإبعاد "شيوخ الأحزاب" أمثال المالكي والعامري والعبادي، واختيار شخصية من الخط الثاني.
تعامل ائتلاف دولة القانون مع الأمر بعد ذلك، رغم وجود تاريخ غير مريح بين المالكي والسوداني، بسبب انشقاق الأخير عن "الدعوة" في 2019 وتداول في الأوساط السياسية آنذاك، أن قيس الخزعلي هو من رشح السوداني وأصر على منحة رئاسة الحكومة رغم معارضة المالكي.
جاءت موازنة 2023 الثلاثية وما تبعتها من أزمات، ليقفز المالكي وبعض القوى المتخوفة من السوداني وتعقد صفقة، أعلن حزب الفرانين، التابع للسوداني، بعد ذلك بعض خيوطها.
الصفقة كانت تفرض تصويت "الإطار" للموازنة الثلاثية التي تنفذ لأول مرة بعد 2003، مقابل أن يمتنع حزب السوداني عن خوض الانتخابات المحلية.
وبرر الأمر آنذاك، بحسب تلميحات من نواب دولة القانون، بأن بعض القوى السياسية تخشى أن يستخدم المال الهائل بالموازنة الذي بلغ نحو 200 تريليون دينار، في الدعاية الانتخابية للسوداني.
وفي آب / أغسطس العام الماضي، قبل نحو 3 أشهر من الانتخابات، أعلن تيار الفراتين التابع للسوداني، عدم خوض الانتخابات لا علانية ولا في "الظل".
واعتبر الحزب في بيان حينها أنه اختار خلال هذه المرحلة أن "يتفرغ للعمل الجماهيري النوعي، ويركز جهوده على دعم المسارات الإصلاحية والتصحيحية والأولويات الخدمية التي اختطها البرنامج الحكومي".
الخوف من السوداني
نفذ السوداني وعده ولم يشترك حزبه، وتحول رئيس القائمة المفترضة النائب محمد الصيهود، ابن عم رئيس الحكومة، إلى قائمة أخرى (أجيال) والتي جمعت بالانتخابات المحلية مقعدين فقط
ويقول محمد الدراجي، وهو مستشار للسوداني، في لقاء تلفزيوني: "أطراف في الإطار تخشى نجاح رئيس الحكومة... اختياره كان طفرة وأجبروا على منحه رئاسة الوزراء".
والتعديل الجديد الذي قد يحدث على قانون الانتخابات لم يظهر إلا بعد أن بدأت تقارير غربية واستطلاعات رأي تتحدث عن صعود شعبية السوداني، وأن أكثر من 60 % من العراقيين يؤيدونه.
قيادي في تيار الحكمة طلب عدم نشر اسمه، اعتبر أن هناك مبالغات في هذه الاستطلاعات لكنه يقول إن "السوداني يقوم منذ أكثر من عام بتوسيع مكاتب تياره بالمحافظات مستغلًا نجاحاته".
ويرى خبراء في القانون أن تشريع أو تعديل القوانين يهدف في المقام الأول إلى تحقيق مصالح اجتماعية على المدى البعيد، على أن يكون التشريع أو التعديل مبنيًا بصورة صحيحة وعلمية.
ويقول علي التميمي وهو خبير قانوني إن "تعديل قانون الانتخابات بشكل متكرر يفقد الأحزاب استقرارها لكون الأحزاب يفترض أن تعمل أيضا وفقا لقانون الأحزاب والذي بدوره ينبغي أن يتلاءم مع قانون الانتخابات، وكذلك الأحزاب سوف تدفع لتغيير أنظمتها الداخلية".
ويشير إلى أن تغييرًا أو تعديل قانون الانتخابات بصورة متكررة يؤثر أيضا على المجتمع، حيث إنه كلما فهمت آلية عمل قانون الانتخابات تجدها تغيرت وهذا الأمر يؤدي لتراجع ثقة الناخب العراقي بالعملية السياسية بشكل عام والعملية الانتخابية بشكل خاص.
"
الإطار" يبدو أنه يخشى منافسًا جديدًا في الانتخابات، حيث واجهت الأحزاب الشيعية تلك المشكلة في انتخابات 2018، حين عرقل حيدر العبادي رئيس الحكومة آنذاك بسبب فوزه بالانتخابات تشكيل حكومة عادل عبد المهدي (رئيس الوزراء بين 2019 و2021).
واستطاع جزء من تلك الأحزاب، التي تشكل اليوم الإطار التنسيقي، أن تخرج من الأزمة بعد أن انشقت عن العبادي وشكلت ما يسمى (كتلة البناء) مع الصدر وقتذاك حكومة جديدة.
وكانت من المفارقات أن أسعد العيداني، محافظ البصرة، أحد المنشقين عن العبادي، الذي يواجه اليوم من أصدقاء الأمس، محاولات لإبعاده عن المحافظة وعن الانتخابات المقبلة بوضع شرط أن يستقيل المسؤول التنفيذي (وأصحاب الدرجات الخاصة من ضمنه رئيس الحكومة والوزراء) قبل 6 أشهر من الانتخابات في حال رغب بالترشح.
ويعتقد فريق داخل "الإطار" بأن العيداني، أو محمد المياحي محافظ واسط لولاية ثانية، فازا بالانتخابات المحلية بدعم من اتباع الصدر، الذين قاطعوا الانتخابات التي جرت على طريقة "سانت ليغو"، كما يتهمون الأول بشراء الأصوات.
وقد يفسر ما حدث في البصرة واسط، رغبة أطراف في "الإطار" العودة إلى نظام الدوائر المتعددة بعدما استطاع الصدريون التسلل إلى النظام الجديد وكسب تأييد محافظتين وهو ما ورد في قول عامر عبد الجبار، النائب المستقل، ضمن تغريدة على منصة إكس، إن الإطار عاد يفكر بالدوائر المتعددة لأنه يخشى "3 محافظين" وعودة "التيار الصدري إلى العمل السياسي".