ردت المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية في العراق) على قرار رئاسة مجلس النواب بإعادة فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، مشيرة إلى أنه غير دستوري.
وقررت المحكمة، عدم دستورية إعادة فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، وذلك بعد أن عقدت جلسة للبت بدستورية القرار، واستمعت خلالها إلى أطراف الدعوة، مؤكدة أنه لا يوجد نص دستوري أو قانوني يمنح رئاسة مجلس النواب صلاحية إعادة فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
ويرى متابعون أن الحكم اليوم يأتي لصالح الرئيس برهم صالح للحصول على ولاية ثانية ويحرم الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني من التنافس على المنصب الذي كان قد رشح له وزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد بارزاني، لكن ذلك مرهون بقرار من أعضاء البرلمان وليس من رئاسته.
"الكرة بملعب البرلمان"
وتعليقا على قرار المحكمة، رأى الأكاديمي والباحث السياسي، الدكتور علاء مصطفى، أن "القرار أعاد الكرة إلى ملعب البرلمان مرة أخرى، وهو لم يخرج من مأزق ولم ينأى بنفسه وإنما تحمّل المسؤولية كاملة، ونظر بعين العدالة، وبالتالي بدّد الشكوك التي راودت البعض عند قراره بإقصاء القيادي في الحزب الديموقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، وحرمانه من الترشيح لمجلس النواب".
وفي حديث لـ"جسور"، بيّن مصطفى، أن "قرار المحكمة لم يغلق باب الترشيح ولم يفتحه وإنما نظّم العملية، بمعنى أنه أعاد الصلاحية لمجلس النواب برمته وبالتالي سلب من هيئة الرئاسة صلاحيات قد توارثتها عرفا كانت تتيح لها هامش حرية بالتحرك وبتسويق نفسها وخصوصا الرئيس كرمز سياسي على الخارطة العراقية".
من هنا يقول مصطفى "إن الحلبوسي قد خسر بهذا القرار لأن جميع البنود التي لا تحوي نصوصا دستورية واضحة لن يتمكن في المستقبل من اتخاذ قرارات فيها، لأن النواب سيلجأون إلى المحكمة الإتحادية ويقدمون دعاوى، وبالتالي اليوم نظّمت عملية فتح باب الترشيح وفي الوقت نفسه سلبت صلاحيات من رئيس البرلمان وهذا هو الأخطر والأهم."
وعن السيناريو المقبل، توقع مصطفى عبر "جسور"، "تمرير أي مرشح جديد لأن تمرير المرشح يكون بالأغلبية البسيطة وبالتالي فإن التحالف الثلاثي يمكنه تمرير أي مرشح ولكن عند جلسة الانتخاب سيصطدمون بالثلث المعطل ويعودون إلى نقطة الصفر وهي نقطة التوافق."
محاولة إصلاحية؟
وأخفق البرلمان العراقي أخيرا في عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للبلاد، إثر مقاطعة غالبية الكتل السياسية لها، نتيجة خلافات بشأن المرشحين وتشكيل الحكومة.
وفي هذا السياق، أكد الكاتب والمحلل السياسي، علي البيدر، لـ"جسور" أنّ "هذه الخطوة ستسفر عن مزيد من التأخير في عملية انتخاب رئيس الجمهورية الذي يكلّف بدوره مرشح الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة"، مضيفا أنّ "غياب التوافق السياسي هو سبب كل الأزمات التي حصلت وسوف تحصل في المرحلة المقبلة، لافتا إلى أنّ القضية كانت في الدورات السابقة شبه محسومة بسبب التفاهمات، أما اليوم فهناك محاولة إصلاحية تريد منها بعض الجهات ومنها التحالف الثلاثي تقديم رؤية إصلاحية ذات توجّه وطني، وخطأهم الوحيد أنهم أعلنوا عن برنامجهم الإصلاحي قبل أن يحسموا الموقف من خلال محاربة الفساد والقضاء على السلاح المتفلت وتأمين سيادة للدولة".
وتابع: "لكن على يبدو أن هكذا رؤية لا تروق لبعض الأطراف إذ عملت على تشكيل تكتل معين يمكن من خلاله تقويض أي توجه وطني أو عرقلة أي تجمع داخل البرلمان في هذا الصدد".
ورأى البيدر، أنّ "الأزمات ستستمر وربما قد نشهد حكومة غير مكتملة وربما نشهد أيضا قضية تتعلق بتأخير اختيار رئاسة الجمهورية".
ترشيحات ملغاة
قانونا، أوضح الخبير القانوني، علي التميمي في حديث لـ"جسور"، أنّ "البرلمان العراقي أعلن في 22 من الشهر الماضي أسماء 33 شخصاً تم قبول ترشحهم للتنافس على منصب رئيس الجمهورية ورفض ترشح 26 آخرين لأسباب عدة لكن حكم المحكمة اليوم ألغى هذه الترشيحات وبما يعود إلى قبول ترشح 24 شخصاً للمنصب الذي تقدموا للتنافس على الفوز به في المرحلة الأولى".
وأضاف التميمي، أنّ "رئاسة البرلمان ستحدد موعد وفقا لهذا القرار لانتخاب رئيس الجمهورية من ضمن المرشحين المتبقين الذين ترشحوا في المرة الأولى ويتم انتخاب رئيس الجمهورية من بينهم".
ثلثا أعضاء المجلس
وأعلن رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، في وقت سابق تخصيص الجلسة المقبلة لانتخاب رئيس الجمهورية، والتصويت على اللجان النيابية.
وأكدت مصادر سياسية مطلعة أن جلسة التصويت على رئيس الجمهورية لن تنعقد ما لم يتم حسم هذا الملف في المحكمة الاتحادية، لمعرفة الشخصيات التي يحق لها الترشح للمنصب، مضيفة: "كما أن انعقاد الجلسة يتطلب وجود تفاهمات سياسية تسبق ذلك، تضمن توفر حضور ثلثي أعضاء البرلمان للجلسة".
ولفتت إلى أن القوى السياسية باتت تدرك أن العقبة الأصعب أمامها الآن هي جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لأنها تتطلب أغلبية ثلثي أعضاء البرلمان، بينما تتطلب بقية الاستحقاقات الأغلبية البسيطة، أي أكثر من نصف عدد الأعضاء.
ويشترط الدستور العراقي حضور ثلثي أعضاء البرلمان، لاكتمال نصاب جلسة التصويت على رئيس الجمهورية.
واستغلت قوى "الإطار التنسيقي" هذا الشرط لتشكل ما بات يعرف بـ "الثلث المعطل"، للحيلولة دون اكتمال نصاب جلسة التصويت على رئيس الجمهورية.
وبحسب العرف السياسي في عراق ما بعد 2003، فإن منصب رئاسة الجمهورية من حصة الكرد حصرا، وذلك في تقسيم طائفي، يعطي رئاسة البرلمان للسنة، ويمنح رئاسة الحكومة للشيعة.
ومنذ 2006 وحتى اليوم، فإن كل من أسندت لهم رئاسة الجمهورية هم من المنتمين لحزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي أسسه الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، ويسعى "الديمقراطي" لتغيير القاعدة هذه المرة، خصوصا بعد فوزه في الانتخابات المبكرة وخسارة "الوطني" فيها.